وكأنه كان يجوّز الرفع مع كم التكثيرية على هذا الوجه الذى خرّج به الرفع فى البيت. ويبدو أنه لم يكن يأخذ بفكرة التقدير فى الجار والمجرور والظرف حين يقعان خبرا أو نائب فاعل أو صفة أو حالا ، فقد كان البصريون يقدرون أنهما متعلقان بمحذوف تقديره استقر أو مستقر ، أما هو فقد مر بنا أنه كان يعرب الظرف حين يقع مبتدأ فى مثل «محمد عندك» خبرا منصوبا بالخلاف. وطبيعى أن يمدّ ذلك فى مواضعه الأخرى. أما الجار والمجرور فكان يجعل الجار هو الخبر فى مثل الكتاب لك كما كان يجعله فى محل نصب فى مثل مر زيد بعمرو ، ومن هنا جعله نائب الفاعل مع الفعل اللازم حين يبنى للمجهول مثل «مرّ بعمرو (١)». ولعله من أجل ذلك كان يسميه الصفة على نحو ما مرّ بنا آنفا. وبذلك نفهم إعرابه مثل «كل رجل وصنعته» فقد كان سيبويه والبصريون يقدرون الخبر محذوفا تقديره مقترنان ، وكان يذهب إلى أن الخبر لم يحذف ، وإنما أغنت عنه الواو فكأنها هى الخبر ، وبذلك تكون هى الرافعة للمبتدأ ، إذ هو وخبره يترافعان أو بعبارة أخرى كلاهما يرفع صاحبه ، يقول تعليقا على قول بعض الشعراء : «هلا التقدم والقلوب صحاح» : «بم رفع التقدم (أى المبتدأ) قلت : بمعنى الواو فى قوله خ خ والقلوب صحاح كأنه قال : خ خ العظة والقلوب فارغة وخ خ الرّطب والحر شديد (٢) ومعنى ذلك كله أن الحروف عنده كانت تعرب إعراب الأسماء حين تطلبها العوامل. وكان يذهب إلى أن الفاء العاطفة لا تفيد الترتيب أحيانا كقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً)(٣) وفى الوقت نفسه ذهب إلى أن الواو العاطفة قد تفيد الترتيب (٤) ، مما جعل ابن هشام يعمم عنده قائلا : «وقال الفراء إن الفاء لا تفيد الترتيب مطلقا ، وهذا مع قوله إن الواو تفيد الترتيب غريب» (٥). وكان سيبويه والبصريون يرون أن «أو» لا تأتى للإضراب بمعنى بل إلا إذا تقدمها نفى أو نهى ، وذهب الفراء إلى أنها تأتى للإضراب مطلقا دون شرط ، محتجّا بقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى
__________________
(١) الهمع ١ / ١٦٣.
(٢) معانى القرآن ١ / ١٩٨ وانظر الرضى ١ / ٩٧ والهمع ١ / ١٠٥.
(٣) معانى القرآن ١ / ٣٧٢.
(٤) المغنى ص ٣٩٢ والهمع ٢ / ١٢٩.
(٥) المغنى ص ١٧٣.