فلما دخل عليه «بسرّ من رأى» أمر بإحضار التّوزى وكان قد قال ، كما أسلفنا
آنفا ، إن رجلا خبر إن. فقال له المازنى : كيف تقول «إن ضربك زيدا ظلم» فقال
التوزّى : حسبى ، وأدرك خطأه. وانصرف المازنى إلى البصرة وكتب الواثق إلى عاملها
أن يرسم له مائة دينار كل شهر. واتصلت أسباب المازنى بعد الواثق بالمتوكل ، ونال
جوائزه. ويجمع القدماء على أنه كان أعظم النحاة فى عصره ، وقد عاش يدرس لطلابه
كتاب سيبويه ، وصنّف حوله تعليقات وشروحا ، منها تفاسير كتاب سيبويه والديباج فى
جوامع كتاب سيبويه. وألف فى علل النحو كتابا ، وخصّ التصريف بكتاب شرحه ابن جنى
سماه المنصف ، وقد طبع بالقاهرة. ومن مصنفاته كتاب ما يلحن فيه العامة وكتاب الألف
واللام وكتاب العروض وكتاب القوافى. واختلف فى سنة وفاته والراجح أنها كانت سنة
٢٤٩ للهجرة.
وكان المازنى
فطنا ذكيّا ومناظرا ألمعيّا ، وعقد له الواثق والمتوكل مناظرات بينه وبين علماء
عصره ظهر فيها فضله وخصب عقله وقوة ذهنه وملكاته ، مما جعله يفحم مناظريه دائما
بالحجج القاطعة ، ويقال إن الواثق جمع بينه وبين جماعة من نحاة الكوفة ، فبادرهم
سائلا : ما تقولون فى قول الله تعالى : (وَما كانَتْ أُمُّكِ
بَغِيًّا) لم لم يقل بغية وهى صفة لمؤنث؟ فأجابوا إجابات غير
مرضية ، ولما عيّوا بالإجابة قال : لو كانت «بغىّ» على تقدير فعيل بمعنى فاعلة
للحقتها الهاء مثل كريمة وظريفة ولو كانت بمعنى مفعولة منعت الهاء مثل امرأة قتيل
وكفّ خضيب. غير أن «بغى» ليست على وزن فعيل ، وإنما هى على وزن فعول ، والهاء لا
تلحقه إذا كان وصفا لمؤنث مثل امرأة شكور ، وأصل بغى بغوى قلبت الواو ياء ، وأدغمت
فى الياء ، فصارت ياء ثقيلة مثل سيد وميت. وطلب إليه المتوكل أن يتناقش مع ابن
السكيت فى مسألة ، فسأله المازنى ما وزن (نكتل) الواردة فى سورة يوسف ، فأجاب ابن
السكيت وزنها نفعل ، وراجعه فقال نفتعل ، ولما رأى المازنى خطأه البيّن قال له إن
أصلها نكتال من كال ، وحذفت العين أو الألف لسكون الجزم ، فأصبحت نكتل على وزن
نفتل.
وله آراء طريفة
كثيرة يتناقلها النحاة ، نسوق منها رأيه الذى استضاء فيه بأستاذه الأخفش ، إذ كان
يذهب مثله إلى أن ألف الاثنين فى قاما وواو الجماعة