ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الى موضع السوق فخندق فيه خنادق ، وخرج معه علي عليهالسلام والمسلمون ، وأمر بهم أن يخرجوا ، وتقدم الى علي عليهالسلام أن يضرب أعناقهم وترمى جثثهم في الخندق ، فأخرجوا أرسالا وقتلهم علي عليهالسلام جميعا ، وفيهم حيي بن أخطب ، وكان من زعماء اليهود البارزين ، وقدمه عليهالسلام للقتل ، فقال : يا علي : قتلة شريفة بيد شريف ، فقال له عليه عليهالسلام : إن خيار الناس يقتلون شرارهم ، وشرارهم يقتلون خيارهم ، فالويل لمن قتله الأخيار الأشراف ، والسعادة لمن قتله الأراذل الكفار ، قال حيي : صدقت ، فلا تسلبني حلّتي ، قال علي : هي أهون عليّ من ذلك ، فقال حيي : سترتني سترك الله ، ثم قتله ولم يسلبه.
وكان هذا المشهد في صلابته مما ملء قلوب اليهود والمنافقين هلعا ، ونفوسهم غيظا من علي عليهالسلام ، ولم يكن هذا آخر موقف له معهم ، فله الموقف السائر في خيبر ، ولكن لهذا حديث آخر.
وقد أنزل الله في غزوة بني قريظة من الذكر الحكيم قوله تعالى :
( وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) (١).
ولم يكن عليّ عليهالسلام ليستريح أو يريح ، لم يكن ليستريح بذاته ، ولم يكن ليريح غيره ، فقد شمّر ساعده للذّب عن الإسلام ، وقريش في رعب منه بعد غزوة الخندق ، وأبناء اليهود في إضطراب بعد غزوة بني قريظة ، فغلت عليه الصدور بمراجل الحقد ، وتألّبت عليه المشاعر
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآيتان : ٢٦ ، ٢٧.