بمظاهر الكراهية ، وهو يعلم ذلك العلم كلّه ، وكلنّه لم يكن مندفعا دون أناة ، ولا مشرعا دون تفكير ، كان يعمل فكره ، ويهيأ أمره ، بخطى سديدة ثابتة ، واحلام رتيبة متناسقة ، حتى إذا جدّ الجدّ قذف نفسه في لهوات الحرب غير هيّاب ولا مبال ، ولكنه يضع الأمور في نصابها ، ويعتبر الأحداث بأشباهها ، ويقيس الطارئات بميزانها ، وهنا يبرز دور العقل الإنساني الرفيع عند علي عليهالسلام وهنا يلوح المناخ النفسي المتزّن لديه ، مع صراحة في الرأي ، ودقة في الموازنة ، وإصرار على الحق ، وفقد طابق قوله فعله ، ووافق هديه عمله ، مبتعدا عن المداجاة والمحاباة ، متسماً بالقصد والأعتدال ، وهي مميزات فريدة لا تتأتى لأبطال الحروب إلا بعد جهد جهيد ، ورياضة لا تدانيها رياضة ، فالشجاع مغامر دون تحفظّ ، ومبادر دون إدراك ، ولكن عليا عليهالسلام شجاع بدراية ، ومقدام مغوار بنظام ، يخطط ويبرمج ، ويحقق ما يريد بصبر وروية ، فإذا تم له هذا أقدم إقدام من لا يخاف الفوت ، وأرقل إرقال الثائر المستميت ، وهكذا كان ديدنه ، وتلك ملكات إكتسبها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان الصورة المعبرة عنه ، والرجل الذي أعدّه لقيادة الأمة على سنّته في السلم والحرب معا.
وهذا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يخرج للعمرة لا يريد حربا ، ولكن لواءه بيد أمير المؤمنين عليهالسلام كما كان في المشاهد كلها ، لم يخرج بسلاح إلا والسيوف مغمدة ، والبُدُنُ قد أشعر عدة منها وهو في طريقه الى البيت الحرام ، وما هي إلا أن علمت قريش ، فأقسمت أن لا يدخل مكة ولكنها لم تستحّب قتاله ، فرقا وجزعا ، وآلت أن لا يعتمر كراهية العار في زعمها ، ولكن ماذا تصنع والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مقبل في ألف وستمائة من المهاجرين والأنصار ، ماذا عسى أن تقول العرب؟ فخرجت بأحابيشها من جهة ، وطغاتها من جهة أخرى ، ومعهم العوّذ المطافيل ثالثة ، حتى