شيئاً لم يكن ،
فعليّ حريص كل الحرص على مظاهر الكمال والأدب واللياقة ، وهو أزهد الناس بالأثرة
والنفع الخاص ، وهو أبعد الناس عن زبارج الدنيا وزخارف الحياة ، وما عليه إلاّ أن
يري القوم آداب الإسلام ، وملامح العرفان ، ونقاء السريرة ، فالتفت إلى أبي بكر ،
وقال : « إنه لم يمنعنا من أن نبايعك نفاسة عليك ، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا
الأمر حقاً ، فاستبددتم به علينا ».
وحتى في هذا الموقف الدقيق الذي شرح فيه
صدره للألفة ، وفتح قلبه ليتناسى الماضي القريب ، أكد حقّه في الأمر ، وأبان وجهة
نظره في إيجاز واقتضاب.
ومهما يكن من أمر فقد دخل في بيعة الرجل
، ودخل معه من امتنع عن ذلك ، وكان هذا أول الهدوء الذي دخل على أبي بكر ، وأول
العزوف لعلي عن قيادة الحكم ، وكان عليّ من خلال هذا وذاك عيبة نصح ، وخزانة أمانة
، وكنز معرفة ، يُسأل فيجيب ، ويُستشار فيشير ، ويُؤتمن فيوّفي كلما حزب بالمسلمين
أمر ، وكلما فجأهم حدث ، وكلما تعثرت الخلافة في مسيرتها ، ولم يكن ذلك جديداً على
عليّ عليهالسلام ، فهو أول
متخرج في مدرسة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وهو أول منظّر لها علمياً وعملياً ، وهو بعد وفيّ كل الوفاء لمبادئ هذه المدرسة
روحاً وإنسانية ، وهو حدب على إعلاء كلمتها وإبقاء عطائها ، وانتشار مناهجها ، حتى
ولو كان ذلك على حسابه الخاص.
يا لها من بصيرة نافذة ، ونية صادقة ،
جعلته في مصاف الخالدين.