ويدل عليه سياق الآيات ، والمراد من ( الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) هو القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد ونفي الشريك ، والسيرة الصالحة ، والمراد من الفتنة في ( لَيَفْتِنُونَكَ ) هو الإزلال والصرف ، كما أنّ الخليل من الخُلَّة بمعنى الصداقة لا من الخَلّة بمعنى الحاجة.
٣. انّ قوله : ( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يخبر عن دنو المشركين من إزلاله وصرفه عمّا أُوحي إليه ، لا عن دنو النبي وقربه من الزلل والانصراف عمّا أُوحي إليه ، وبين المعنيين فرق واضح.
٤. انّ قوله سبحانه : ( وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ) مركب من جملتين ، إحداهما شرطية ، والأُخرى جزائية ، أمّا الأُولى فقوله : ( وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ ) ، وأمّا الأُخرى فقوله : ( لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ) ، وبما أنّ لولا في الآية امتناعية (١) ، تدل على امتناع الجزاء لوجود التثبيت ، مثل قولنا : لولا علي لهلك عمر ، فامتنع هلاكه لوجوده.
٥. وليس الجزاء هو الركون بمعنى الميل ، بل الجزاء هو القرب من الميل والانصراف كما يدل عليه قوله : ( لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ ) ، فامتنع القرب من الميل فضلاً عن نفس الميل لأجل وجود تثبيته.
٦. انّ تثبيته سبحانه لنبيّه لم يكن أمراً مختصاً بالواقعة الخاصّة ، بل كان أمراً عامّاً لجميع الوقائع المشابهة لتلك الواقعة ، لأنّ السبب الذي أوجب إفاضة التثبيت عليه فيها ، يوجب إفاضته عليه في جميع الوقائع المشابهة ، ولا معنى
__________________
(١) يقول ابن مالك :
لولا ولوما يلزمان
الابتدا |
|
إذا امتناعاً
بوجود عقدا |
والشرط في الآية مؤوّل إلى الاسم أي لولا تثبيتنا ، لقد كدت تركن إليهم.