وثبات قوم يونس على إيمانهم وعدم انحرافهم عنه بعد كشف العذاب ، ونكث الفراعنة بعد كشف الرجز عنهم ، خير دليل على أنّ إيمان القوم كان إيماناً اختيارياً ثابتاً ونابعاً عن اليقين ، وإيمان الفراعنة كان اضطرارياً ناشئاً عن الخوف.
والأوّل من الإيمانين يخرق حجب الجهل ، ويشاهد الإنسان عبوديته بعين القلب وعظمة الرب ونور الإيمان ، فيصير خاضعاً أمام الله ، يعبده ولا يعبد غيره.
والثاني منهما يدور مدار وجود عامل الاضطرار والإلجاء ، فيؤمن عند وجوده ويكفر بارتفاعه ، ولا يعد ذلك الإيمان كمالاً للروح ولا قيمة له في سوق المعارف ، قال سبحانه : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (١).
ولا شك أنّه تعلّقت إرادته التشريعية بإيمان الناس كلّهم بشهادة بعث الأنبياء وإرسال الرسل ، ولكن لم تتعلّق إرادته التكوينية بإيمانهم ، وإلاّ لم تتخلف عن مراده وأصبح الناس كلّهم مؤمنين إيماناً لا عن اختيار ، ولكن بما أنّه لا قيمة للإيمان الخارج عن إطار الاختيار والناشئ عن الإلجاء والاضطرار ، لم تتعلّق إرادته سبحانه بإيمانهم ، وإليه يشير قوله : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ).
قد وعد سبحانه في كتابه العزيز بأنه يؤيد رسله وينصرهم ولا يكذبهم وهو عز من قائل : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) (٢).
__________________
(١) يونس : ٩٩.
(٢) غافر : ٥١.