وكانت قديما ذات بساتين عجيبة وفواكه غريبة ، وكان هذا الدير من متنزهات بغداد لقربه وطيبه ، وفيه يقول أبو جفنة القرشي :
ترنّم الطير بعد عجمته ، |
|
وانحسر البرد في أزمّته |
وأقبل الورد والبهار إلى |
|
زمان قصف يمشي برمّته |
ما أطيب الوصل إن نجوت ولم |
|
يلسعني هجره بحمّته |
ومثل لون النجيع صافية |
|
تذهب بالمرء فوق همته |
نازعته من سداه لي أبدا |
|
في العشق والعشق مثل لحمته |
في دير مرجرجس وقد نفح ال |
|
فجر علينا أرواح زهرته |
وفى بميعاده وزورته |
|
وكنت أوفي له بذمته |
دَير مَرْجُرجِيس : فوق بلد بينها وبين جزيرة ابن عمر على ثلاثة فراسخ وأزيد من بلد على جبل عال يبصره المتأمل من فراسخ كثيرة ، وعلى بابه شجرة لا يدرى ما هي ، ثمرها شبه اللوز طيب الطعم ، وبها زرازير كثيرة لا تفارقه شتاء ولا صيفا ، ولا يقدر أحد من الصيادين على صيد شيء من طيره نهارا ، وأما الليل ففي جبله أفاع لا يستطيع أحد أن يسير فيه ليلا من أجلها ، قاله الخالدي.
دَيْرُ مَرْحَنَّا : بمصر على شاطئ بركة الحبش بينه وبين الفسطاط قريب من النيل ، وإلى جانبه بساتين ومجلس على عمد رخام مليح البناء جيد الصنعة أنشأه تميم بن المعزّ ، وبقرب الدير بئر تعرف ببئر مماتي عليها شجرة جمّيز يجتمع إليها الناس ويتنزهون عندها ، وهو نزه طيب خصوصا إذا زاد النيل وامتلأت البركة فهو أحسن متنزه بمصر ، وفيه يقول ابن عاصم :
عرّج بجمّيزة العرجا مطيّاتي |
|
وسفح حلوان والمم بالتّويثات |
والمم بقصر ابن بسطام فربّتما |
|
سعدت فيه بأيامي وليلاتي |
واقرأ على دير مرحنّا السلام ، فقد |
|
أبدى تذكره مني صباباتي |
وبركة الحبش اللاتي ببهجتها |
|
أدركت ما شئت من لهوي ولذّاتي |
كأنّ أجبالها من حولها سحب |
|
تقشّعت بعد قطر عن سماوات |
كأن أذناب ما قد صيد فيه لنا |
|
من ابرميس ورأي بالشّبيكات |
أسنّة خضبت أطرافها بدم ، |
|
أو راشح نزعوه من جراحات |
منازلا كنت أغشيها وأطرقها ، |
|
وكنّ قدما مواخيري وحاناتي |
وقال أميّة بن أبي الصلت المغربي يذكر دير مرحنّا :
يا دير مرحنّا لنا ليلة |
|
لو شريت بالنفس لم تبخس |
بتنا به في فتية أعربت |
|
آدابهم عن شرف الأنفس |
والليل في شملة ظلمائه |
|
كأنه الراهب في البرنس |
نشربها صهباء مشمولة |
|
تغني عن المصباح في الحندس |