طَرْفُكَ)(١) قال : يرتد إليك طرفك : هو أن تنظر إلى الشيء فتتبيّن أنه حمار أو دابّة حتى ينتهي إليك أو تنتهي إليه ؛ وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف. قال : أنت؟! قال : نعم ، قال : فافعل ، فنزّل آصف قائم السيف من يده ثم رفع يده فإذا العرش موضوع بين يدي سليمان ، فكاد سليمان أن يفتتن ، فقال : ربّ سألتك ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ربّ فجعلت في ملك يميني وفي خولي ومن يجري عليه رزقي من قدر على هذا ولم أقدر عليه ، هذا نقصان في ملكي ، فدخلت سليمان فتنة ، ثم عصم فراجع فقال : أليس (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ، لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) الآية (٢). (قالَ : نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(٣) ، وكان عرشها عليه صفائح من ذهب وفضة ، قد ركّبت فيه فصوص الياقوت الأحمر والزّبرجد الأخضر والدّر واللّؤلؤ ، وكان للعرش قائمتان من زبرجد وقائمتان من ياقوت أحمر ، فكان تنكيرهم إيّاه ، أن نزعوا صفيحة الذهب ، فجعلوها مكان الفضّة ، وصفيحة الفضّة مكان الذهب ، والياقوت مكان الزّبرجد ، والدّرّ مكان اللّؤلؤ ، والقائمتين للزّبرجد مكان القائمتين للياقوت ، فجاءت بلقيس فدخلت على سليمان وقد وضع لها بين يدي سليمان كرسي ، فجلست عليه ، فقال سليمان : أنت امرأة من العرب يا بلقيس في بيت ملك ومملكة ، تعبدين الشيطان وتشركين بالله ، وتكفرين النّعم؟! فقالت : يا سليمان إنّك نبيّ مصطفى وقد انتخبك الله لنفسه ، واختارك لخلقه ، ورضي بك لعباده ، ولا ينبغي لك أن تعيّرني ، لأنّ الله تعالى يغيّر ولا يغيّر ؛ فكفّ سليمان عنها ، فأنشأت تذكر منزلتها ومجلسها ، فقال سليمان لآصف : خذ بيدها فأدخلها صرحي ، وكان صرح سليمان ميلا في ميل ، طول سقفه ثمانون ذراعا قارورة خضراء ، أرضه وجدره وسقفه ، فلما قامت بلقيس على باب الصّرح (حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) وكانت بيضاء ، كثيرة الشعر ، فنظر سليمان إلى ساقيها ثم صرف بصره فقال آصف : أرسلي ثيابك (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) ، فلما مشت في الصّرح ورفعت رأسها ونظرت قالت في نفسها : لا والله ما هذا عمل الإنس ، قالت : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤) ، فقال سليمان لدمرياط : اصنعوا شيئا يذهب شعر بلقيس (٥) ، فقال :
__________________
(١) سورة النمل ، الآية : ٤٠.
(٢) سورة النمل ، الآية : ٤٠.
(٣) سورة النمل ، الآية : ٤١.
(٤) سورة النمل ، الآية : ٤٤.
(٥) قيل إن الجن أرادوا أن يبشعوا منظرها عند سليمان ، وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليها من الشعر فينفره ذلك منها ، وخشوا أن يتزوجها لأن أمها من الجان فتتسلط عليهم معه (البداية والنهاية ٢ / ٢٩).