الحرون ، ينظرونه نظر القوم إلى الهلال (١) ، لو أمرهم ترك الطعام والشراب ما ذاقوه ؛ قال : أقصري من العذل ، فليس لك عندنا طاعة. فرجع عبيد الله إلى معاوية فضمّ إليه الشهباء ، وهم اثنا عشر ألفا ، وضمّ إليه ثمانية آلاف من أهل الشام ، فيهم ذو الكلاع في حمير ؛ فقصدوا يؤمّون عليّا ، فلمّا رأتهم ربيعة جثوا على الرّكب وشرعوا الرّماح ، حتى إذا غشوهم ثاروا إليهم ، واقتتلوا أشدّ القتال ، ليس فيهم إلّا الأسل والسيوف ؛ وقتل عبيد الله ، وقتل ذو الكلاع (٢) ؛ والذي قتل عبيد الله زياد بن خصفة التيميّ (٣) ، فقال معاوية لامرأة عبيد الله : لو أتيت قومك فكلّمتهم في جسد عبيد الله بن عمر؟ فركبت إليهم ومعها من يجيرها ، فأتتهم ، فانتسبت ، فقالوا : قد عرفناك ، مرحبا بك فما حاجتك؟ قالت : هذا الذي قتلتموه ، فأذنوا لي في حمله ، فوثب شباب من بكر بن وائل فوضعوه على بغل ، وشدّوه ، وأقبلت امرأته [إلى عسكر معاوية ، فتلقّاها معاوية بسرير فحمله عليه وحفر له وصلّى عليه ودفنه ثم جعل](٤) يبكي [و](٥) يقول : قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حيّا وميتا ، وإن كان الله قد رحمه ووفّقه للخير ، قال : تقول بحرية وهي تبكي عليه ، وبلغها ما يقول معاوية فقالت : أمّا أنت فقد عجّلت له يتم ولده وذهاب نفسه ، ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر. فبلغ مع معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص : ألا ترى ما تقول هذه المرأة؟ فأخبره فقال : والله لعجب لك ، ما تريد أن يقول الناس شيئا؟! فو الله لقد قالوا في خير منك ومنّا ، فلا يقولون فيك؟ أيها الرجل ، إن لم تغض عما ترى كنت في نفسك في غمّ. قال معاوية : هذا والله رأيي الذي ورثت من أبي.
٩٣١٥ ـ برق الأفق المدنيّة
قال دحمان الأشقر (٦) :
__________________
(١) في ابن سعد : الهلاك.
(٢) قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف ، كما في وقعة صفّين ص ٢٩٧.
(٣) كذا بالأصل ، وجاء في وقعة صفين ص ٢٩٨ اختلفوا في قاتل عبيد الله ، فقالت همدان : قتله هاني بن الخطاب ، وقالت حضرموت : قتله مالك بن عمرو السبيعي ، وقالت بكر بن وائل : قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة.
(٤) الزيادة بين معكوفتين من طبقات ابن سعد.
(٥) الزيادة عن ابن سعد.
(٦) الخبر في الأغاني ٣ / ٢٨٢ وما بعدها ضمن أخبار ابن مسجح.