يحزن (١) من سكنها ، ولا يموت من دخلها. فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ، ولا تنصرم غمومها (٢) ، وكونوا قوما مستبصرين. إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب ، غلف القلوب (٣) لا يفقهون ما الإيمان ، ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم بالباطل فلبّوه. فالله الله عباد الله في دين الله ، وإياكم والتواكل فإن في ذلك نقض (٤) عرى الإسلام وإطفاء نور الحق ، وإظهار الباطل ، وإذهاب السنة ، هذه بدر الصغرى ، والعقبة الأخرى ، يا معاشر المهاجرين والأنصار امضوا على [بصيرتكم واصبروا على](٥) عزيمتكم فكأني (٦) بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كالحمير الناهقة والبغال الشّحاجة تصفق صفق البقر (٧) ، ولا تروب روب العناق ، فكأني بك على عكازك هذه قد انكفأ عليك العسكران ، يقولون هذه عكرشة بنت الأطش بن رواحة ، فإن كدت لتلتفتين (٨) عني أهل الشام لو لا ما أحب الله أن يجعل لنا هذا الأمر ، وكان أمر الله قدرا مقدورا فما حملك على ذلك ، قالت : يا أمير المؤمنين ، يقول الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(٩) إنّ اللبيب إذا كره أمرا لم يجب إعادته قال : صدقت ، اذكري حاجتك ، قالت : يا أمير المؤمنين إنّ الله قد جعل صدقاتنا على فقرائنا ومساكيننا ورد أموالنا فينا إلّا بحقها ، وإنا قد فقدنا ذلك ، فما ينعش لنا فقير ، وما يجبر لنا كسير ، فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك من انتبه من الغفلة ، وراجع التوبة ، وإن كان ذلك عن غير رأيك فما مثلك من استعان الخونة ، ولا استعان بالظالمين.
فقال معاوية : يا هذه إنه ينوبنا أمور هي أولى بنا منكم من نحور (١٠) تنبثق ، وثغور تنفتق (١١) ، قالت : يا سبحان الله ، والله ما جعل الله لنا حقا جعل فيه ضررا على غيرنا ، ولو
__________________
(١) العقد الفريد : يهرم.
(٢) العقد الفريد : همومها.
(٣) غلف القلوب أي على قلوبهم أكنة لا يفقهون ولا يسمعون.
(٤) بالأصل و «ز» : «نقص» والمثبت عن العقد الفريد.
(٥) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن «ز» ، والعقد الفريد.
(٦) بالأصل و «ز» : فكان ، والمثبت عن العقد الفريد.
(٧) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المطبوعة : تضفق ضفق البقر ، وفي العقد الفريد : تصقع صقع البعير.
(٨) كذا بالأصل و «ز» ، وفي العقد الفريد : لتقتلين.
(٩) سورة المائدة ، الآية : ١٠١.
(١٠) في العقد الفريد : «بحور».
(١١) في العقد الفريد : أمور تنبثق وبحور تنفهق.