الوزراء حسن الوجه والزّي ، وكثر الناس. فلما رآه الشبلي قال : من نظر اعتبارا سلم ، ومن نظر اختيارا فتن. ثم قال له : مرّ من عندي وإلّا أخرق ثيابك.
قال الخطيب (١) : أخبرني التنوخي ، حدّثني أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي صابر الدلال قال :
وقفت على الشبلي في قبة الشعراء في جامع المنصور والناس مجتمعون عليه ، فوقف عليه في الحلقة غلام لم يكن ببغداد في ذلك الوقت أحسن وجها منه يعرف بابن مسلم ، فقال له : تنحّ ، فلم يبرح ، فقال له الثانية : تنحّ يا شيطان عنّا ، فلم يبرح ، فقال له الثالثة : تنحّ ، وإلّا والله خرّقت كل ما عليك ـ وكان (٢) عليه ثياب في غاية الحسن تساوي جملة كبيرة (٣) ـ فانصرف الفتى (٤).
وقيل : خرج الشبلي يوما من منزله وعليه خريق (٥) وأطمار (٦) ، فقيل له : ما هذا؟ فقال :
فيوما ترانا في الخزوز (٧) نجرّها |
|
ويوما ترانا في الحديد عوابسا |
ويوما ترانا في الثريد نبسّه (٨) |
|
ويوما ترانا نأكل الخبز يابسا |
وقال الشبلي : ضاق صدري ببغداد ، فضاقت علي أوقاتي ، فوقع لي أن أنحدر إلى البصرة ، فاكتريت سمارية (٩) ، وركبت فيها ، فلمّا بلغت البصرة ، وخرجت من السمارية زاد
__________________
(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٢ / ٩٥ ـ ٩٦ في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن أبي صابر الدلال.
(٢) في تاريخ بغداد : وكانت.
(٣) في تاريخ بغداد : كثيرة.
(٤) زيد بعدها في تاريخ بغداد : فقال الشبلي ونحن نسمع :
طرحوا اللحم للبزا |
|
ة على ذروتي عدن |
ثم لاموا البزاة لم |
|
خلعوا فيهم الرسن |
لو أرادوا صلاحنا |
|
ستروا وجهه الحسن |
(٥) خرق الثوب يخرقه : جابه ومزّقه ، وخرق الثوب خرقا : شقه.
(٦) أطمار واحدها طمر ، بالكسر الثوب الخلق ، أو هو الكساء البالي من غير الصوف (تاج العروس).
(٧) الخزوز ، الخزّ من الثياب ما ينسج من صوف وإبريسم.
(٨) البسّ اتخاذ البسيسة بأن يلت السويق أو الدقيق أو الأقط المطحون بالسمن أو الزيت ثم يؤكل ولا يطبخ (تاج العروس).
(٩) سمارية : جاء في تاج العروس : سمر : والسميرية ضرب من السفن.