مذقة من لبن معزاة ، فقلت : يا أبا ذرّ لو اتخذت في بيتك عيشا ، فقال : عباد الله أتريد (١) لي من الحساب أكثر من هذا العيش ، هذا مثال نرقد عليه وعباءة نبسطها ، وكساء نلبسه وبرمة (٢) نطبخ فيها ، وصحفة نأكل فيها ، وبطة فيها زيت ، وغرارة (٣) فيها دقيق ، أتريد لي من الحساب أكثر من هذا؟ قلت : فإنّ عطاءك أربع مائة دينار ، وأنت في شرف من العطاء ، فأين يذهب عطاؤك؟ فقال لي : أما إنّي لن أعمى عليك لي في هذه القرية ـ وأشار إلى قرية بالشام ـ ثلاثون فرسا ، فإذا خرج عطائي اشتريت لهم علفا وأرزاقا لمن يقوم عليها ونفقة لأهلي ، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوسا فجعلته عند نبطي هاهنا ، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه ، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه ، ثم أحمل عليها في سبيل الله ، ليس عند آل أبي ذرّ دينار ولا درهم (٤).
أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، نا أبو الحسين (٥) بن المهتدي ، أنبأ أبو أحمد محمّد بن عبد الله بن أحمد بن القاسم بن جامع ، أنا أبو علي محمّد بن سعيد بن عبد الرّحمن الرقي ، نا هلال بن العلاء ، نا أبي ، نا سليمان بن صهيب الرقّي ، عن فرات ، عن ميمون قال (٦) : لما احتضر أبو ذرّ قال لا مرأته أين تلك النفقة؟ قال : فجاءت بثلاثة عشر درهما ، قال : فأمر بها (٧) ، فوضعت مواضعها (٨) ، ثم قال : إن كانت محرقتي ما بين عاتقي إلى ذقني.
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأ الحسين بن صفوان ، نا عبد الله بن محمّد بن أبي الدنيا ، حدّثني شريح ، ثنا يزيد بن هارون ، أنبأ محمّد بن عمرو ، عن محمّد بن المنذر (٩) ، قال :
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي الزهد : أتريدون من الحساب.
(٢) البرمة : قدر من حجارة.
(٣) الغرارة : الجوالق.
(٤) بالأصل : «دنيا ولا ذر» والمثبت : «دينار ولا درهم» عن الزهد والرقائق.
(٥) بالأصل : الحسن.
(٦) تاريخ الرقة ص ١٣٢.
(٧) الأصل : به ، والمثبت عن مختصر أبي شامة.
(٨) الأصل : موضعها ، والمثبت عن مختصر أبي شامة.
(٩) الأصل : المنكدر ، والمثبت عن مختصر أبي شامة.