أرى أمراءك إلّا يحولون بينك وبين ذلك» قلت : فآخذ سيفي ، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال : «لا ، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي». فلمّا بلغ البناء سلعا خرج من المدينة حتى أتى الشام ، فتكابّ الناس عليه ، فكتب معاوية إلى عثمان : إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذرّ. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه ، فقال : سمعا وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له : هاهنا عندي. قال : الدنيا لا حاجة لي فيها ، قال : تأتي الرّبذة ، قال : إن أذنت لي. فلما قدم الرّبذة حضرت الصلاة ، فقيل له : تقدم يا أبا ذرّ ، فقال : من على هذا الماء؟ قالوا : هذا ، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذرّ : الله أكبر ، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي ، فأنت عبد حبشي. فتقدّم ، فصلّى خلفه أبو ذرّ.
وقال أبو ذرّ (١) :
كنت أخدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مضطجع فيه ، فضربني برجله ، فاستويت جالسا ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كيف تصنع إذا أخرجت منها»؟ قلت : ألحق بأرض الشام ، قال : «كيف تصنع إذا أخرجت منها»؟ قلت : آخذ سيفي ، فأضرب به من يخرجني ، قال : فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على منكبي ثم قال : «غفرا أبا ذرّ ، غفرا أبا ذرّ ، بل تنقاد معهم حيث قادوك ، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود». قال : فلما نفيت إلى الرّبذة أقمت الصّلاة ، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة ، فلمّا رآني أخذ يرجع ليقدمني ، فقلت : كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم [١٣٣٦٠].
وقال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«يا أبا ذرّ ، أنت رجل صالح ، وسيصيبك بعدي بلاء» ، قلت : في الله؟ قال : «في الله» قلت : مرحبا بأمر الله [١٣٣٦١].
وقال أبو ذرّ :
أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر ، ونعلّم الناس السنن [١٣٣٦٢].
قال عبد الله بن أبي قيس :
__________________
(١) رواه أحمد بن حنبل في المسند ١٠ / ٤٤٠ رقم ٢٧٦٥٩ طبعة دار الفكر ، ورواه الذهبي في سير الأعلام (٣ / ٣٨٨) ط دار الفكر.