دخل يزيد بن أبي مسلم القيسي على سليمان بن عبد الملك بعد وفاة الحجّاج وكان يزيد دميما قصيرا ، فقال له سليمان : ما جاء بك؟ من استكتبك؟ ومن قلّدك؟ قبّحك الله ، فقال له يزيد : يا أمير المؤمنين ، نظرت إليّ وقد أدبر أمري ، فصغر في عينك ما عظم في عين غيرك ، فقال له سليمان : أترى صاحبك يهوي بعد في النار أم قد استقر؟ قال : يا أمير المؤمنين إنه يحشر غدا بين أبيك وأخيك ، فضعهما (١) حيث شئت ، قال : ثم كشفه سليمان فلم يجد عليه خيانة (٢) دينارا ولا درهما ، فهمّ باستكتابه فقال له عمر بن عبد العزيز : أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحيى ذكر الحجّاج باستكتابك كاتبه ، قال : يا أبا حفص ، إني كشفته فلم أجد عليه خيانة (٣) ، فقال عمر : انا أوجدك من هو أعفّ عن الدنيا والدرهم منه ، فقال سليمان : ومن هذا؟ قال : إبليس ما مسّ دينارا ولا درهما بيده ، وقد أهلك هذا الخلق ، فتركه سليمان.
أخبرنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى القاضي قال : قرأت على أبي القاسم عبد المحسن بن عثمان بن غانم التنيسي بها ، قلت له : أخبركم أبو بكر أحمد بن عبيد الله بن محمّد بن إسحاق ، نا أبو مسلم محمّد بن أحمد بن علي الكاتب ، قال : قرئ على أبي بكر بن دريد الأزدي ، عن أبي حاتم ، ثنا العتبي قال :
لما وقف سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم للناس على درج مسجد دمشق ونصبه للمظالم أقبل جرير على راحلته وقال : أفرجوا عني حتى وصل إليه ، ثم أنشأ يقول :
كم في وعائك من أموال مؤتمة |
|
شقت صغار ، وكم خربت من دار |
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنبأ أبو محمّد بن يوه ، أنا أبو الحسن اللنباني (٤) ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد الله بن قريب ، عن عمّه ، عن جويرية بن أسماء قال :
لما أتى سليمان بن عبد الملك بيزيد بن أبي مسلم قال : اكتب ما لك ، قال : اكتب لي ثلاثون عنزا بالعراق ، وبلغتي وسائسها وشيء من رزقي (٥) ، قال : فنظر إلى يزيد بن المهلب
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : فضعه.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : جناية.
(٣) الحاشية السابقة.
(٤) تحرفت في «ز» إلى : اللبناني ، بتقديم الباء ، وفي م : «الكساني».
(٥) في «ز» : الرزق.