إليه وذكره النصرانية دين (١) آبائه فهرب (٢) مرتدا من دار الإسلام إلى أرض الروم والذي سبق له في أم الكتاب ، فأتي به ملك الطاغية فساءله عن حاله ، وما كان فيه ، وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية ، فأخبره برغبته فيه فعظم في عين الملك فرأّسه وصيّره بطريقا من بطارقته ، وكان من قضاء الله وقدره أن أسر ثلاثون رجلا من المسلمين ، فلما دخلوا على بشير ساءلهم رجلا رجلا عن دينهم ، وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له واصل ، فسأله بشير وأبى الشيخ أن يردّ عليه شيئا ، فقال بشير : ما لك لا تجيبني؟ قال الشيخ : لست أجيبك اليوم بشيء ، قال بشير للشيخ : إنّي مسائلك غدا فأعدّ جوابا ، وأمره بالانصراف ، فلما كان من الغد بعث بشير وأقبل إليه الشيخ ، فقال بشير : الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيء ، وخلق سبع سماوات طباقا بلا عون كان معه من خلقه ، ثم دحا سبع أرضين طباقا بلا عون كان معه من خلقه ، فعجب لكم معاشر العرب حين تقولون : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ، ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٣) ، فسكت الشيخ ، فقال له بشير : ما لك لا تجيبني ، قال : كيف أجيبك وأنا أسير في يدك ، فإن أجبتك بما تهوى أسخطت عليّ ربي ، وهلكت في ديني ، وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي فاعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ، ولا تمحل (٤) بي ، ولا تبغي (٥) لي باغية سوء ، وإنك إذا سمعت الحق تنقاد له ، فقال بشير : فلك عليّ عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على النبيين ، وما أخذ النبيون على الأمم إنّي لا أغدر بك ولا أمحل بك ، ولا أبغي بك باغية سوء ، وإنّي إذا سمعت الحقّ انقدت له ، قال له الشيخ : أما ما وصفت من صفة الله فقد أحسنت الصفة ، وما لم يبلغ علمك ولم تستحكم عليه رأيك أكثر (٦) ، والله أعظم وأكبر مما وصفت ، ولا يصف الواصفون صفته ؛ وأمّا ما ذكرت من هذين الرجلين فقد أسأت الصفة ، ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان؟ قال بشير : بلى ، قال : الشيخ ، فلم فرّقت بينهما؟ فقال بشير : لأن عيسى ابن مريم كان له روحان اثنتان في جسد واحد ، روح يعلم بها الغيوب وما في قعر البحار ، وما يتحات (٧) من ورق الأشجار ، وروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى ، قال الشيخ : فهل كانت القوية تعرف
__________________
(١) الأصل : دون ، خطأ ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٢) بالأصل : فتهرب ، خطأ ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٥٩.
(٤) المحل : المكر والكيد.
(٥) بالأصل وم و «ز» : تبغ.
(٦) في «ز» : كثيرا.
(٧) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» ، والمختصر : ينجاب.