وذهبت العماليق
إلى أن ينازعوهم أمرهم فعلت أيديهم على العماليق وأخرجوهم من الحرم كله ، فصاروا
فى أطرافه لا يدخلونه.
وجعل مضاض
والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما فكثروا وأثروا ، فكان مضاض يعشر
، كل من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يشعر كل من دخل من أسفلها ، وكل على
قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه ، وكانوا قوما عربا وكان اللسان عربيا.
وكان إبراهيم يزور
إسماعيل ، فلما نظر إلى جرهم نظر إلى لسان عجيب وسمع كلاما حسنا ، ونظر إسماعيل
إلى رعلة بنت مضاض بن عمرو ، فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها.
فجاء إبراهيم
زائرا لإسماعيل ، فجاء إلى بيت إسماعيل ، فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة
الله ، فقامت إليه المرأة فردت عليه ورحبت به ، فقال : كيف عيشكم ولبنكم وماشيتكم؟
فقالت خير عيش بحمد الله عزوجل ، نحن فى لبن كثير ولحم كثير وماؤنا طيب ، قال : هل من حب؟
قالت : يكون إن شاء الله ونحن فى نعم. قال : بارك الله لكم.
قال أبو جهم :
فكان أبى يقول : ليس أحد يخلى عن اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه ، ولعمرى
لو وجد عندنا حبا لدعا فيه بالبركة فكانت أرض زرع.
ويقال : إن
إبراهيم قال لها : ما طعامكم؟ قالت : اللحم واللبن. قال : فما شرابكم؟ قالت : اللبن
والماء. قال : بارك الله لكم فى طعامكم وشرابكم ، فاللبن طعام وشراب.
قالت : فانزل رحمك
الله فاطعم واشرب. قال : إنى لا أستطيع النزول. قالت : فإنى أراك شعثا أفلا أغسل
رأسك وأدهنه؟ قال : بلى إن شئت. فجاءته بالمقام وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة
، ملقى فى بيت إسماعيل ، فوضع عليه قدمه اليمنى وقدم إليها رأسه وهو على دابته
فغسلت شق رأسه الأيمن ، فلما فرغت حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى ، وقدم
إليها رأسه فغسلت شق رأسه الأيسر ، فالأثر الذي فى المقام من ذلك. قال أبو الجهم :
فقد رأيت موضع العقب والإصبع.
__________________