ولو كان «صلى الله عليه وآله» تركهم ، ثم عادوا إلى الخيانة ، فإن استئصالهم والحالة هذه قد يكون أصعب ، بل قد يصبح متعذرا ، بعد أن تلقى الناس صفحه عنهم في المرة الأولى بالقبول.
وقد يفهم الكثيرون : أنه قد جاء عن استحقاق منهم للعفو ، وأنه لا يحق له أن يتخذ في حقهم أي إجراء آخر.
والذي لا بد من الوقوف عنده هنا ، هو حكم سعد بن معاذ فيهم ، الذي جاء موافقا للحكم الشرعي الإلهي ، ومنسجما معه ، وذلك هو حكم العقل والفطرة ، والضمير الحي ، والوجدان الرضي. وقد ارتضوا هم أنفسهم بحكم سعد مسبقا ، بل هم الذين اختاروه للحكم.
سادسا : قال الدكتور إسرائيل ولفنسون : «وأما المنافقون فقد خفت صوتهم بعد يوم قريظة ، ولم نعد نسمع لهم أعمالا وأقوالا تناقض إرادة النبي وأصحابه ، كما يفهم ذلك من قبل» (١).
وبعد .. فهذه هي جريمة القيادات المنحرفة التي تدمر كل شيء ، ولا تشكر النعمة الإلهية على حد قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)(٢).
عهد قريظة مع الأوس وعهدهم مع النبي صلّى الله عليه وآله :
والغريب في الأمر : أن نجد بني قريظة يلجأون إلى سعد بن معاذ نفسه لينقذهم من ورطتهم ، وذلك استنادا إلى الحلف الذي كان بينهم وبين
__________________
(١) السيرة النبوية للندوي ص ٣٠٠ عن : اليهود في بلاد العرب ص ١٥٥.
(٢) الآيتان ٢٨ و ٢٩ من سورة إبراهيم.