بغير أمرنا؟ ، قال : قلت : أصلحك الله ، أعرض عليك ، فإن كان مكروها نهيتني فانتهيت ، وإلّا لم ينلني مكروه ، فقال : تكلّم (١) فتكلمت فقال : قم لا يحلّ لي أن أسمع هذا الكلام وحدي ، فقال لي : ما أقدمك؟ قلت : قدمت عليك وعلى ابن لهيعة ، فلمّا قدمت عليه بعد ذلك أخرج إلي جارية قيمتها ثلاثمائة دينار ، فقال : خذها ، فقلت : أصلحك الله ، معي أهل ، قال : تخدمكم ، قلت : جارية بثلاثمائة دينار تخدمنا؟ قال : خذها ، فدخلت عليه بعد ذلك ، فسكتّ حتى خرج الناس ، ثم أخرج من تحت مصلّاه كيسا فيه ألف دينار ، فألقاه إليّ ، فقال : خذها ولا يعلم بها ابني الحارث فتهون عليه.
أنبأنا أبو علي الحدّاد ، أنا أبو نعيم الحافظ (٢) ، نا أبو محمّد بن حيّان ، نا أبو مسلم البزاز ، نا القاسم بن موسى ، حدّثني محمّد بن موسى الورّاق ، نا محمّد بن موسى الصائغ قال : سمعت منصور بن عمّار يقول : كان الليث بن سعد إذا تكلّم بمصر أحد نفاه (٣) فتكلمت في المسجد الجامع يوما ، فإذا رجلان قد دخلا من باب المسجد ، فوقفا على الحلقة فقالا : من المتكلم؟ فأشاروا إليّ ، فقالا : أجب أبا الحارث الليث ، فقمت وأنا أقول : وا سوأتاه ، إنني من بلد هكذا ، فلمّا دخلت على الليث سلّمت فقال لي : أنت المتكلم في المسجد؟ قلت : نعم ، رحمك الله ، فقال لي : اجلس ، ردّ عليّ الكلام الذي تكلمت به ، فأخذت في ذلك المسجد بعينه فرقّ الشيخ وبكى ، وسرى عني ، وأخذت في صفة الجنّة والنار ، فبكى الشيخ حتى رحمته ، ثم قال لي بيده : اسكت (٤) ، فقال لي : ما اسمك؟ قلت : منصور ، قال : ابن من؟ قلت : ابن عمّار ، قال : أنت أبو السّري؟ قلت : نعم ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك ، ثم قال : يا جارية ، فجاءت ، فوقفت بين يديه ، فقال لها : جيئيني بكيس كذا وكذا ، فجاءت بكيس فيه ألف دينار ، فقال : يا أبا السّري ، خذ هذا إليك ، وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين ، ولا تمدحن أحدا من المخلوقين بعد مديحتك لرب العالمين ولك عليّ في كل سنة مثلها ، قلت : رحمك الله ، إنّ الله تعالى قد أحسن إليّ وأنعم (٥) ، قال : لا ترد علي شيئا أصلك به ، فقبضتها وخرجت ، فقال : لا تبطئ علي ، فلما
__________________
(١) بالأصل : «تكلمت» والمثبت عن د ، و «ز» ، وم ، وتاريخ بغداد.
(٢) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٧ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ في ترجمة الليث بن سعد.
(٣) تحرفت في الحلية إلى : قفاه.
(٤) تحرفت بالأصل إلى : أمسكت.
(٥) في الحلية : إن الله قد أنعم إليّ وأحسن.