الخلّال ، نا يوسف بن عمر القوّاس ، نا أبو الحسن علي بن سليمان السلمي ، نا أبو شعيب الحرّاني ، نا علي بن خشرم قال : قال منصور ـ يعني ـ بن عمّار ، قلت : سمعته؟ قال : نعم ، قال : لما قدمت مصر ، وكان الناس قد قحطوا ، فلمّا صلّوا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء ، فحضرتني النيّة ، فصرت إلى صحن المسجد ، فقلت : يا قوم ، تقرّبوا إلى الله بالصدقة ، فإنه ما تقرّب إليه بشيء أفضل منها ، ثم رميت بكسائي ، ثم قلت : اللهمّ هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي ، فجعل الناس يتصدّقون ويعطوني ويلقون على الكساء حتى جعلت المرأة تلقي خرصها (١) وسخابها (٢) حتى فاض الكساء من أطرافه ، ثم هطلت السماء ، فخرج الناس في الطين والمطر ، فلما صليت العصر قلت : يا أهل مصر ، أنا رجل غريب ، ولا علم لي بفقرائكم ، فأين فقهاؤكم؟ فدفعت إلى الليث بن سعد ، وابن لهيعة ، فنظر إلى كثرة المال ، فقال أحدهما لصاحبه : لا تحرك ، وكلوا به الثقات حتى أصبحوا ، فرحت ـ أو قال : فأدلجت ـ إلى الإسكندرية ، فأقمت بها شهرين ، فبينا أنا أطوف على حصنها وأكبّر ، فإذا أنا برجل يرمقني ، فقلت : ما لك؟ قال : يا هذا ، أنت قدمت مصر؟ قلت : نعم ، قال : أنت المتكلّم يوم الجمعة؟ قال : قلت : نعم ، قال : فإنك صرت فتنة على أهل مصر ، قلت : وما ذاك؟ قال : قالوا : كان ذاك الخضر دعا فاستجيب له ، قال : قلت : ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ ، قال : فأدلجت ، فقدمت مصر ، فلقيت الليث بن سعد ، فلمّا نظر إليّ قال : أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قال : قلت : نعم ، قال : فهل لك في المقام عندنا؟ قال : قلت : وكيف أقيم وما أملك إلّا جبتي وسراويلي؟ قال : قد أقطعتك خمسة عشر فدانا ، ثم صرت إلى ابن لهيعة ، فقال لي مثل مقالته ، وأقطعني خمسة (٣) فدادين ، فأقام بمصر.
قال (٤) : وأنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري ، أنا أحمد بن محمّد بن عمران ، نا عبد الله بن سليمان ، نا علي بن خشرم قال : سمعت منصور بن عمّار قال : ـ وبعضه حدّثني به أبي عن قتيبة عن منصور ـ قال : قدمت مصر وبها قحط ، فتكلّمت فأخرج الناس صدقات كثيرة ، فأخذت فأتي بي إلى (٥) من الليث بن سعد فقال : ما حملك على أن تكلّمت في بلدنا
__________________
(١) الخرص : الحلقة الصغيرة في الأذن.
(٢) السخاب : القلادة.
(٣) بالأصل ، ود ، و «ز» ، وم : «خمس» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٣.
(٥) بالأصل : «فأخذت قلبي من الليث» ، وفي م ، و «ز» ، ود : «فأخذت فاني من الليث» صوبنا الجملة عن تاريخ بغداد.