غليط بن عتبة بن أبي لهب ، فسأل عنه فأخبر بمكانه ، فعمد إلى جمل أجرب فهنأه (١) بالقطران ، وركب ، وأداره في الشمس حتى هرج (٢) ثم قصد به نحو معاوية ، فلمّا نظر إلى الأبنية حمل الناس عليها والناس عنده جلوس ، فأقبل الجمل يقطع تلك الأبنية ، وفزع الناس ، فقال معاوية : يا أيها الناس ، اجلسوا إنّ هذا بعض جنون آل أبي لهب ، فقال أبو غليط : والله ما أنا بالمجنون ، وما أتانا الجنون إلّا من قبل حرب بن أمية ، ما زال الشيطان يخنقه حتى مات ، وكان حرب بن أمية مات مخنوقا ، ذكروا أن الجنّ خنقته فمات.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أبو عمرو بن مندة ، أنا أبو محمّد بن يوة ، أنا أبو الحسن ، نا ابن أبي الدنيا.
ح أخبرني أبو عبد الله القرشي عن علي بن محمّد (٣) ، عن أبي عبد الرّحمن العجلاني ، عن سعيد بن عبد الرّحمن بن حسّان قال :
دخل قوم من الأنصار على معاوية ، فقال لهم : يا معشر الأنصار ، قريش لكم خير منكم لها ، فإن يكن ذلك لقتلى أحد فقد نلتم يوم بدر مثلهم ، وإن يكن ذلك للأثرة فو الله ما تركتم إلى صلتكم سبيلا ، لقد خذلتم عثمان يوم الدار ، وقتلتم أنصاره يوم الجمل ، وصليتم بالأمر يوم صفّين ، فتكلم رجل منهم (٤) فقال : أقلت قريش خير لنا منا لها؟ فإن فعلوا فقد أسكناهم الدار ، وقاسمناهم الأموال ، وبذلنا لهم الديار ، ودفعنا عنهم العدو ، وأنت سيد قريش ، فهل لهذا عندك جزاء؟ وأما قولك : إن يكن ذلك لقتلى أحد فإن قتيلنا وحيّنا ثائر ، وأما ذكرك الأثرة فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرنا بالصبر عليها ، وأما خذلان عثمان : فإنّ الأمر في عثمان ما كان الأجفلى (٥) ـ يريد الجمع ـ وأما قتل أنصاره يوم الجمل فما لا يعتذر منه ، وأما قولك : إنا صلينا بالأمر يوم صفّين ، فإنّا كنا مع رجل لم نأله خيرا ، وقاموا فخرجوا ، فقال معاوية : ردّوهم (٦) ، فو الله ما فرغ من كلامه حتى ضاق بي مجلسي ، أما كان فيكم رجل يجيبه؟! فردّوهم ، فترضّاهم ، ووصلهم.
__________________
(١) هنأ بالقطران : طلاه به (القاموس).
(٢) هرج البعير : سدر من شدة الحر ، وكثرة الطلاء بالقطران (القاموس).
(٣) من طريقه رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ٦٢ طبعة دار الفكر.
(٤) هو قيس بن سعد ، كما في أنساب الأشراف.
(٥) الأجفلي : الجماعة من كل شيء (القاموس).
(٦) كذا بالأصل والنسخ ، وفي أنساب الأشراف : لله درهم.