الجعفي ، نا جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي قال : ـ أو عن أبي جعفر محمّد بن علي ، شك خلّاد ـ قال (١) :
لما ظهر أمر معاوية بالشام ، وتابعوه على أمره ، دعا عليّ رجلا فأمره أن يتجهّز وأن يسير إلى دمشق وأمره إذا دخل إلى دمشق أناخ راحلته بباب المسجد ، ثم يدخل المسجد ، ولا يحط عن راحلته من متاعها شيئا ، ولا يلقي عن نفسه من ثياب السفر شيئا ، وقال له : إنك إذا فعلت ، ورأوا أثر الغربة والسفر عليك سيسألونك من أين أقبلت ، فقل : من العراق ، فإنك إذا قلت ذلك حشدوا إليك ، وسألوك ما الخبر وراءك ، فقل لهم : تركت عليا قد نهد إليكم في أهل العراق ، فإنّهم سيحشدون إليك ، ثم انظر ما يكون من أمرهم قال : فسار الرجل حتى أناخ بباب دمشق ثم دخل المسجد ، ولم يحلل عن راحلته ، ولم ينزع عنه شيئا من ثيابه ، فلمّا دخل المسجد عرفوا أنه غريب ، وأنه مسافر ، فسألوه : من أين أقبلت؟ فقال : من العراق ، فحشدوا إليه ، فقالوا : ما الخبر وراءك؟ فقال : تركت عليا قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق ، فكثر الناس عليه يسألونه حتى بلغ ذلك معاوية ، فأرسل إلى أبي الأعور السلمي : ما هذا القادم الذي قد أظهر هذا الخبر؟ انطلق حتى تكون أنت الذي تشافهه وتسائله ، ثم ائتني بالخبر ، فأتاه أبو الأعور فساءله ، فأخبره ، فأتى معاوية ، فأخبره بأن الأمر على ما انتهى إليك ، فقال لأبي الأعور : ناد في الناس الصلاة جماعة ، فنادى في الناس ، فجاء الناس ، فقيل لمعاوية : شحن الناس المسجد وامتلأ منهم ، فخرج معاوية يمشي حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيّها الناس ، إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق ، فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم ، ولم يرفع إليه أحد طرفه ، ولم يتكلم منهم متكلم ، فقام ذو الكلاع الحميري فقال : يا أمير المؤمنين عليك الرأي وعلينا أم فعال ، قال : وهي بالحميرية ـ يعني ـ الفعال ، فنزل معاوية عن المنبر ، وأمر أبا الأعور السلمي أن ينادي في الناس : أن اخرجوا إلى معسكركم ، فإنّ أمير المؤمنين قد أجّلكم ثلاثا ، فمن تخلف فقد أحلّ بنفسه.
قال : فخرج رسول علي ، فرجع إليه ، فأخبره بما كان منه ، وما كان من معاوية ، ومن أهل الشام ، فأمر علي قنبرا ، فقال : ناد في الناس : الصلاة جامعة ، ففعل ، فاجتمع الناس في المسجد حتى امتلأ ثم خرج علي ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إنّ رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم عليّ وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ١٤١ والبداية والنهاية ٨ / ١٣٨.