يديك من ذلك إلّا قذف بالغيب من مكان بعيد ، وإنّ ذلك لباطل ، ولكنك ملت إلى الدنيا وأهلها وأمر كان في نفسك.
فبلغ معاوية قولهما ، فبعث إلى شرحبيل فقال له : إنّه قد كان من إجابتك إلى الحق ما قد وقع فيه أجرك على الله ، وقبله عنك صالحو الناس ، وإنّ هذا الأمر لا يتم إلّا برضا العامة ، فسر في مدائن الشام ، فادعهم إلى ذلك ، وأخبرهم بما أنت عليه.
فسار شرحبيل فبدأ بأهل حمص ، فدعاهم إلى القيامة في ذلك ، وقال لهم : إنّ عليا قتل عثمان ، وحرّضهم عليه ، وخوّفهم منه ، وإن معاوية وليّ عثمان ، فقوموا معه ، فأجابه أهل حمص إلّا نفر من نسّاكهم وقرّائهم ، فإنهم أبوا ولزموا بيوتهم ، ثم إن شرحبيل استقرى (١) مدائن الشام بذلك ، فجعل لا يأتي قوما إلّا قبلوا ما أتاهم به.
ثم إن عليا كتب إلى جرير بن عبد الله (٢) : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، ثم خيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية (٣) ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه.
فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير ، أتى معاوية ، فأقرأه إيّاه ، فلما علم معاوية أن أهل الشام قد تابعوه بعث إلى جرير : أن الحق بصاحبك ، فقد أبى الناس إلّا ما ترى.
فانصرف جرير إلى علي ، فقدم عليه ، فأخبره الخبر ، وإن شرحبيل قدم على معاوية بأهل الشام فقال لمعاوية : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، فبايعه وبايعه أهل الشام على ذلك ، ثم إن معاوية قام فيهم خطيبا ، فقال : يا أهل الشام ، إن عليا قتل خليفتكم ، وفرّق الجماعة ، وأوقع بأهل البصرة ولها ما بعدها ، وقد تهيّأ للمسير إليكم ، وأيم الله لا يفل حدكم إلّا قوم أصبر منكم ، فاصبروا فإنّ الله مع الصابرين ، وقد قال الله عزوجل : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(٤) فأنا وليّ عثمان وابن عمه ، وأنتم أعواني على ذلك ، فعدّوا للحرب وتهيّئوا للقاء ، فقام معاوية بن حديج السكوني ، وحوشب فقالوا : يا أمير المؤمنين ، قد أتتنا أمدادنا على علي ، فإذا شئت.
قال : ونا إبراهيم ، نا يحيى قال : وحدّثني خلاد بن يزيد الجعفي ، نا عمرو بن شمر
__________________
(١) استقرى الأرض وقراها واقتراها وتقراها : تتبعها أرضا أرضا وسار فيها ينظر حالها وأمرها (اللسان).
(٢) نص الكتاب في وقعة صفّين ص ٥٥.
(٣) في وقعة صفّين : «محظية» وبهامشها عن نسخة : مخزية.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٣٣.