قلت : والنّيل (١) نهر عظيم (٢) متّسع جدّا ، آخذ من الجنوب إلى الشّمال ، ويفترق بعد مسافة من فسطاط مصر على ثلاثة أنهار ، ولا يدخل واحد منها إلّا في القوارب شتاء وصيفا ؛ وقد دخلته من مجمع نهرين فقرأت حزبا (٣) من القرآن قبل أن يقطع القارب إلى الجزيرة (٤) الأخرى ، وصورة السّقي به أنّ أهل كلّ بلد لهم خلج (٥) تخرج منه ، فإذا جاء مدّ أترعها (٦) ففاضت على المزارع وسقتها كما تسقي سائر الأنهار ؛ وقد علموا أين ينتهي سقي كلّ مقياس ، ومن غرائب صنع الله ، أن مدّه يبتدىء في معمعان الحرّ وشدّته. في الوقت الّذي تفيض (٧) فيه الأنهار ، وينتهى في الوقت الّذي تمدّ فيه الأنهار ؛ ويفيض فيحسر الماء عن الأرض في مبدأ زمان الحرث. وقد حكى البكريّ عن ابن حبيب «أنّ الله تعالى جعل النّيل معادلا لأنهار الدّنيا ، فحين يبتدى بالزّيادة تنقص كلّها ، وذلك لخمس بقين من شهر يونية وحين يبتدى بالنّقصان تزيد كلّها». (٨)
__________________
(١) انظر ما كتب في النيل وفضائله في خطط المقريزي ١ / ٥٠ ـ ٦٨.
(٢) ليست في ط.
(٣) الحزب من القرآن : ربع الجزء.
(٤) في ط : الجيزة ، والجزيرة هي التي تفصل بين الجيزة والمدينة القديمة. انظر وصف إفريقية ٢ / ٢٤٠ ـ رحلة ابن جبير ٢٩.
(٥) الخلج : واحدها خليج : وهو نهر يشتقّ من نهر كبير لينتفع به.
(٦) أترعها : ملأها.
(٧) في ط : تفيض.
(٨) في جغرافية مصر للبكري ١٠ بخلاف يسير في اللفظ.