مواضع هذه الأرض هكذا ؛ أسام بلا مسمّيات. وهي برّيّة واحدة ممتدّة إلى الإسكندريّة ، وفي آخرها الموماة المضنية (١) المؤذية ، أوحش المراحل على الرّاحل قفر لوبية ، أرض تستوحش منها ـ لنكارتها ـ القلوب ، وينسى ـ مع رؤيتها ـ كلّ خطب ينوب ، فقربها (٢) كرب من أعظم الكروب ، ونوبتها على المسافر من نوائب الدّهر وهي ضروب : [الطويل]
ولولا حبيب حبّه أضرم الحشا |
|
يصرّفني شوقي إليه كما يشا |
[٤٨ / ب] أهيم به حيّا وميتا وإنّني |
|
لأضمر من حبّيه أضعاف مافشا (٣) |
ترنّحني في ذكره أريحيّة |
|
كما اهتزّ غصن للنّسيم إذا نشا (٤) |
تركت إليه دون منّ أحبّة |
|
تصدّع إذ فارقتهم منّي الحشا |
لما بتّ في أكنافها ليلة ولا |
|
خشيت هجيرا لافحا أن يعطّشا (٥) |
[ذكر الإسكندريّة]
وبعد حفظ ما دلّ عليه هذا العنوان ، واتصال التّخمة (٦) بتلك الألوان ، منّ الله سبحانه بمفارقة تلك البرّيّة ، والوصول إلى مواصلة ثغر الإسكندريّة (٧). مدينة الحصانة والوثاقة ، وبلد (٨) الإشراق اللّامع والطّلاقة ، وطلاوة المنظر
__________________
(١) الضنا : المرض والهزل.
(٢) في ط : قفرّ بها.
(٣) فشا : ظهر.
(٤) الأريحيّة : الارتياح للكرم والمعروف. نشا : انتشرت رائحته.
(٥) الهجير : هو نصف النّهار عند اشتداد الحرّ.
(٦) التّخم : المعالم يهتدى بها في الطريق.
(٧) انظر ما جاء في بناء الإسكندرية في مروج الذهب : ١ / ٣٧٠ وجغرافية مصر للبكري ٩٩ ، وخطط المقريزي ١ / ١٤٤.
(٨) في ت : وبلاد.