[جامع القيروان]
أما جامعها : فهو من الجوامع الكبار ، المتقنة الرّائقة المشرقة الأنيسة ، ووسطه [٣٥ / ب] فضاء متّسع ، وكان المؤسّس له ، والمقيم لقبلته الرّجل الصّالح عقبة بن نافع الفهريّ (١) ، المعروف بالمستجاب ، مع جماعة من الصّحابة والتّابعين ، وهم المؤسّسون لمدينة القيروان.
ويحكى أنّه لمّا أمرهم ببنائها قالوا له : إنّك أمرتنا أن نبني في شعب (٢) وغياض ، ونحن نخاف من السّباع والهوام ، فمضى معهم حتّى وقف عليها وقال : أيّتها السّباع والهوام ؛ إنّا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أردنا أن ننزل ههنا ، فارحلن عنّا. فرأى النّاس عجبا ؛ رأوا الأسود تحمل أشبالها ، والذّئاب تحمل أجراءها ، والحيّات تحمل أولادها حتّى ارتحلن جميعا.
ويقال : إنّه قد مرّ عليها أربعون سنة لم ير (٣) فيها حيّة لدعوته رضياللهعنه ، فلمّا بنوها طاف حولها عقبة وأصحابه ودعوا الله لها (٤) وأسّسوا مسجدها ، وأقام عقبة قبلتها (٥) برؤيا رآها (٦) ، وقد سألت إمام جامعها ومن حضر معه عن سمت قبلته (٧) فلم أجد أحدا منهم يعرفه ، ولم أبت به فأتعرّف
__________________
(١) عقبة بن نافع الفهري : قائد ، فاتح ، ولاه عمرو بن العاص إفريقية ففتح كثيرا من البلدان حتى وصل إلى البحر المحيط ، قتله الفرنجة في تهودة مع مجموعة من جنوده سنة ٦٣ ه. انظر ترجمته في رياض النفوس ١ / ٦٢ ـ البيان المغرب ١ / ١٩ ـ ٣٢ ـ الاستقصا ١ / ٣٦ ـ ٣٨.
(٢) في ت : شعاب ، وفي ط : شعراء.
(٣) في ت مما : ترى.
(٤) ليست في ت وط.
(٥ ـ ٥) ـ سقطت من ت.
(٦) ذكر أبو زيد الدباغ تفصيل ذلك فقال : «اختلف الناس في قبلة هذا المسجد ، فاغتمّ عقبة لذلك ودعا الله عزوجل فأتاه ات في منامه وقال له : إذا أصبحت فاحمل لواءك على عاتقك ، ـ