تفرّجا وتعبّدا ،
والقناطر من تونس إليها معطّلة ، وهذه القنطرة تعرف عندهم بالحنايا ، وهو ممّا يقصّر عنها الوصف لفرط إتقانها وغرابتها ؛ ويذكر أنّ الرّوم أقاموا في
تدبيرها والنّظر في وضعها أربع مئة سنة [٢٣ / آ] وهذا بعيد.
وأمّا أبو عبيد
البكريّ فحكى «أنّ عملها فرغ حتّى استوى فيها الماء في أربعين سنة» وهذا يشبه مع الاعتناء التّامّ ، والأداة الكاملة ، والقوّة
الوافرة. وقد كان بعض الأمراء ـ وهو أخو القائم بها الآن ـ احتاج إلى إصلاح بعض
الحنايا بها ممّا يلي تونس ليوصل الماء إليها ـ إذ كانت معطّلة قبله ـ فأقام في
عملها مجتهدا بأقصى ما يمكنه أعواما عديدة ، ولم يمكنه ردّ ذلك على ما كان عليه ،
ولا ما يقرب منه ، بل اقتنع بتسديده كيف ما أمكن مع قلّته وتفاهته بالإضافة إلى
غيره.
وما زالت مدينة
تونس ـ كلأها الله ـ دار ملك وضخامة ، وهي الآن دار مملكة إفريقية على ضعف المملكة
بها ، وانتهائها إلى حدّ التّلاشي ، ومع ذلك فقد أربت على البلاد في كلّ فضيلة ،
وما رأيت لأهلها نظيرا شرقا وغربا ، شيما فاضلة ، وخلالا حميدة ، ومعاشرة جميلة ، وقد كان الأخلق بمن شاهد أخلاقهم أن يطنب في وصفهم ،
ويضرب عمّن لم يمحضهم الوداد
__________________