الروم يعلمه ما (١) فعل ، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم ؛ وإلا كانوا جميعا على ما كانوا عليه.
وكتبوا به كتابا ، وكتب المقوقس إلى ملك الروم كتابا يعلمه على وجه الأمر كلّه ، فكتب إليه ملك الروم يقبّح رأيه ويعجّزه ، ويردّ عليه ما فعل ، ويقول فى كتابه : إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفا ، وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى ؛ فإن كان القبط كرهوا القتال ، وأحبّوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا ، فإنّ عندك بمصر من الروم بالإسكندرية (٢) ومن معك أكثر من مائة ألف ، معهم العدّة والقوّة.
والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت ، فعجزت عن قتالهم ، ورضيت أن تكون أنت ومن معك من الروم فى حال القبط أذلّاء ، ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت ، أو تظهر (٣) عليهم ؛ فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوّتكم ، وعلى قدر قلّتهم وضعفهم كأكلة ، فناهضهم القتال ، ولا يكون لك رأى غير ذلك. وكتب ملك الروم بمثل ذلك كتابا إلى جماعة الروم.
فقال المقوقس لّما أتاه كتاب ملك الروم : والله إنهم على قلّتهم وضعفهم أقوى وأشدّ منّا على كثرتنا وقوّتنا ، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منّا ؛ وذلك أنهم قوم الموت أحبّ إلى أحدهم من الحياة ، يقاتل الرجل منهم وهو مستقتل (٤) ، يتمنّى ألّا يرجع إلى أهله ولا بلده ولا ولده ، ويرون أن لهم أجرا عظيما فيمن قتلوا منا ، ويقولون : إنهم إن قتلوا دخلوا الجنّة ، وليس لهم رغبة فى الدنيا ، ولا لذّة إلّا قدر بلغة العيش من الطعام واللباس ، ونحن قوم نكره الموت ، ونحبّ الحياة ولذّتها ، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء ، وكيف صبرنا معهم! واعلموا معشر الروم ، والله إنى لا أخرج مما دخلت فيه ، ولا صالحت العرب عليه ؛ وإنى لأعلم أنكم سترجعون غدا إلى رأيى وقولى (٥) وتتمنون أن لو كنتم أطعتمونى ؛ وذلك أنى قد عاينت ورأيت ، وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره ، ولم
__________________
(١) ب : «بما».
(٢) ك ، والسيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «وبالإسكندرية».
(٣) ب ، ج ، د ، ك : «تظفر».
(٤) فى السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «مستقل».
(٥) ك والسيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم : «قولى ورأيى».