يعرفه ، ويحكم! أما يرضى أحدكم أن يكون آمنا فى دهره على نفسه وماله وولده بدينارين فى السنة!
ثم أقبل المقوقس إلى عمرو بن العاص ، فقال له : إنّ الملك قد كره ما فعلت وعجّزنى ، وكتب إلىّ وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك ، وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم ، ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه ، وإنما سلطانى على نفسى ومن أطاعنى ، وقد تمّ صلح القبط فيما بينك وبينهم ؛ ولم يأت من قبلهم نقض ، وأنا متمّ لك على نفسى ، والقبط متمّون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم ، وأما الروم فأنا منهم برئ. وأنا أطلب إليك أن تعطينى ثلاث خصال.
قال له عمرو : ما هنّ؟ قال : لا تنقض بالقبط ، وأدخلنى معهم وألزمنى ما لزمهم ، وقد اجتمعت كلمتى وكلمتهم على ما عاهدتك عليه ، فهم متمّون لك على ما تحبّ. وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئا وعبيدا ، فإنهم أهل ذلك ، لأنى (١) نصحتهم فاستغشّونى ، ونظرت لهم فاتّهمونى. وأما الثالثة ، أطلب إليك إن أنا متّ ، تأمرهم يدفنونى فى أبى يحنّس بالإسكندرية.
فأنعم له عمرو بن العاص بذلك وأجابه إلى ما طلب ، على أن يضمنوا له الجسرين جميعا ، ويقيموا لهم الأنزال والضيافة والأسواق والجسور ؛ ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية ففعلوا.
وقال عثمان : وصارت لهم القبط أعوانا كما جاء فى الحديث.
ويقال : إن المقوقس إنما صالح عمرو بن العاص على الروم وهو محاصر الإسكندرية.
حدثنا يحيى بن خالد العدوىّ ، عن الليث بن سعد ، أن عمرو بن العاص لما فتح (٢) الإسكندرية حاصر أهلها ثلاثة أشهر ، وألحّ عليهم ، وخافوه ، وسأله المقوقس الصلح عنهم كما صالحه على القبط على أن يستنظر رأى الملك.
قال فحدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن
__________________
(١) ك والسيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «فإنى».
(٢) ب ، ج ، د ، ك : «بلغ».