ثم رجع الحديث. فتجمّع له فى انصرافه على شاطىء النيل البجة ، فسأل عنهم فأخبر بمكانهم (١) ، فهان عليه (٢) أمرهم ، فنفذ وتركه ، ولم يكن لهم عقد ولا صلح ؛ وأوّل من صالحهم عبيد الله بن الحبحاب.
ويزعم بعض المشايخ أنه قرأ كتاب ابن الحبحاب فإذا فيه : ثلاثمائة بكر فى كل عام حتى ينزلوا الريف مجتازين تجارا غير مقيمين ، على ألا يقتلوا مسلما ولا ذمّيّا ، فإن قتلوه فلا عهد لهم ولا يؤوا عبيد المسلمين ، وأن يردّوا أباقهم إذا وقعوا ؛ وقد عهدت هذا فى أيامهم يؤخذون به ؛ ولكل شاة أخذها بجاوىّ فعليه أربعة دنانير ، والبقرة عشرة ، وكان وكيلهم مقيما بالريف رهينة بيد المسلمين.
ذكر ذى الصوارى
قال عبد الرحمن (٣) : ثم غزا عبد الله بن سعد بن أبى سرح كما حدثنا يحيى ابن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، ذات الصّوارى فى سنة أربع وثلاثين.
وكان من حديث هذه الغزوة كما حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ابن سعد ، عن يزيد بن أبى حبيب ، أن عبد الله بن سعد لما نزل ذات الصوارى أنزل نصف الناس مع بسر بن أبى أرطاة سرية فى البرّ ، فلما مضوا أتى آت إلى عبد الله ابن سعد ، فقال : ما كنت فاعلا حين ينزل بك هرقل فى ألف مركب فافعله الساعة.
قال غير الليث : إنما هو ابن هرقل لأن هرقل مات فى سنة تسع عشرة والمسلمون محاصرون الإسكندرية.
ثم رجع إلى حديث الليث عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : وإنما مراكب المسلمين يومئذ مائتا مركب ونيّف فقام عبد الله بن سعد بين ظهرانى الناس فقال : قد بلغنى أن هرقل قد أقبل إليكم فى ألف مركب ، فأشيروا علّى ؛ فما كلّمه رجل من المسلمين ، فجلس قليلا لترجع إليهم أفئدتهم ، ثم قام الثانية فكلّمهم ، فما كلّمه أحد ، فجلس ، ثم قام الثالثة ، فقال : إنه لا يبق شىء ، فأشيروا علىّ.
فقام رجل من أهل المدينة كان متطوّعا مع عبد الله بن سعد فقال : أيها الأمير إن
__________________
(١) ب ، ج : «بشأنهم».
(٢) ب : «عليهم».
(٣) عبد الرحمن : زيدت من ك.