وأمروا بقطع الجسر (١) من (٢) الفسطاط ؛ وبالجزيرة (٣) وبالقصر من جمع (٤) القبط والروم جمع كثير ، فألحّ عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال على من فى القصر حتى ظفروا بهم ، وأمكن الله منهم ، فقتل منهم خلق كثير ، وأسر من أسر ، وانحازت السفن كلّها إلى الجزيرة ، وصار المسلمون قد أحدق بهم الماء من كل وجه (٥) ، لا يقدرون على أن ينفذوا (٦) نحو الصعيد ، ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى ، والمقوقس يقول لأصحابه : ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم؟ ما تنتظرون! فو الله لتجيبنّهم (٧) إلى ما أرادوا طوعا أو لتجيبنهّم (٧) إلى ما هو أعظم منه كرها ، فأطيعونى من قبل أن تندموا.
فلما رأوا منهم ما رأوا ، وقال لهم المقوقس ما قال ، أذعنوا بالجزية ، ورضوا بذلك على صلح يكون بينهم يعرفونه ، وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص : إنى لم أزل حريصا على إجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التى أرسلت إلىّ بها ، فأبى ذلك علىّ من حضرنى من الروم والقبط ، فلم يكن لى أن أفتات عليهم فى أموالهم ، وقد عرفوا نصحى لهم وحبّى صلاحهم ، ورجعوا إلى قولى ، فأعطنى أمانا أجتمع أنا وأنت فى نفر من أصحابى وأنت فى نفر من أصحابك ، فإن استقام الأمر بيننا تمّ ذلك لنا جميعا ؛ وإن لم يتمّ رجعنا إلى ما كنّا عليه.
فاستشار عمرو أصحابه فى ذلك فقالوا : لا نجيبهم إلى شىء من الصلح ولا الجزية ، حتى يفتح الله علينا وتصير الأرض كلّها لنا فيئا وغنيمة ، كما صار لنا القصر وما فيه ، فقال عمرو : قد علمتم ما عهد إلىّ أمير المؤمنين فى عهده ، فإن أجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التى عهد إلىّ فيها أجبتهم إليها ، وقبلت منهم ، مع ما قد حال هذا الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم. فاجتمعوا على عهد بينهم ، واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط ديناران ديناران عن كل نفس شريفهم
__________________
(١) د : «الجسور».
(٢) فى السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «بين».
(٣) ب ، ج ، ك : «والجزيرة».
(٤) ب : «جميع».
(٥) ب ، ج : «جهة».
(٦) ب ، ج : «يتقدموا».
(٧) ج : «لنجيبنهم».