فقال له المقوقس : هذا ما لا يكون أبدا ، ما تريدون إلا أن تتخذونا نكون لكم عبيدا ما كانت الدنيا.
فقال له عبادة بن الصامت : هو ذاك ، فاختر ما شئت.
فقال له المقوقس : أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الثلاث خصال؟ فرفع عبادة يديه ، فقال : لا وربّ هذه السماء وربّ هذه الأرض وربّ كل شىء ، ما لكم عندنا خصلة غيرها ، فاختاروا لأنفسكم.
فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه ، فقال : قد فرغ القوم فما ترون؟ فقالوا : أو يرضى أحد بهذا الذلّ! أمّا ما أرادوا من دخولنا فى دينهم ؛ فهذا ما لا يكون أبدا أن نترك دين المسيح ابن مريم وندخل فى دين غيره لا نعرفه ، وأمّا ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدا فالموت أيسر من ذلك ؛ لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارا ، كان أهون علينا.
فقال المقوقس لعبادة : قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك ، على أن نعطيكم فى مرّتكم هذه ما تمنّيتم (١) وتنصرفون.
فقام عبادة وأصحابه ، فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله : أطيعونى وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث ، فو الله ما لكم بهم طاقة ، ولئن لم تجيبوا إليها طائعين ، لتجيبنّهم إلى ما هو أعظم كارهين.
فقالوا : وأىّ خصلة نجيبهم إليها؟ قال : إذا أخبركم ، أمّا دخولكم فى غير دينكم ، فلا آمركم به ، وأما قتالهم فأنا اعلم أنكم لن تقووا عليهم ، ولن تصبروا صبرهم ، ولا بدّ من الثالثة ؛ قالوا : أفنكون لهم عبيدا أبدا؟ قال : نعم تكونوا عبيدا مسلّطين فى بلادكم ، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا من آخركم ، وتكونوا عبيدا تباعوا وتمزّقوا فى البلاد مستعبدين أبدا ، أنتم وأهلوكم وذراريكم ، قالوا : فالموت أهون علينا.
__________________
(١) ج : «ما شئتم».