به ، ولا بالذى يكسرنا عمّا نحن فيه ، إن كان ما قلتم حقّا فذلك والله أرغب ما يكون (١) فى قتالهم ، وأشدّ لحرصنا عليهم ؛ لأن ذلك أعذر لنا عند ربّنا إذا قدمنا عليه ، إن قتلنا من آخرنا كان أمكن لنا فى رضوانه وجنّته ، وما من شىء أقرّ لأعيننا ، ولا أحبّ إلينا من ذلك ؛ وإنّا منكم حينئذ لعلى إحدى الحسنيين ؛ إمّا أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم ، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا ، وإنها لأحبّ الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منّا ، وإن الله عزوجل قال لنا فى كتابه : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٢) ، وما منّا رجل الّا وهو يدعو ربّه صباحا ومساء أن يرزقه الشهادة ، وألّا يردّه إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده ، وليس لأحد منا همّ فيما خلّفه ، وقد استودع كلّ واحد منا ربّه أهله وولده ؛ وإنما همّنا ما أمامنا.
وأمّا قولك : إنا فى ضيق وشدّة من معاشنا وحالنا ؛ فنحن فى أوسع السعة لو كانت الدنيا كلّها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه.
فانظر الذي تريد فبيّنه لنا ، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ، ولا نجيبك إليها إلّا خصلة من ثلاث ، فاختر أيّها شئت ، ولا تطمع نفسك فى الباطل ؛ بذلك أمرنى الأمير ، وبها أمره أمير المؤمنين ، وهو عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قبل إلينا ، إمّا أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره ، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته ، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه ، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا ، وكان أخانا فى دين الله ؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك ، فقد سعدتم فى الدنيا والآخرة ، ورجعنا عن قتالكم ، ولم نستحلّ أذاكم ، ولا التعرّض لكم ، فإن أبيتم إلا الجزية فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، نعاملكم على شىء نرضى به نحن وأنتم فى كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم فى شىء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ، ونقوم بذلك عنكم ، إذ كنتم فى ذمّتنا ، وكان لكم به عهد علينا (٣) ، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت من آخرنا ، أو نصيب ما نريد منكم ؛ هذا ديننا الذي ندين الله به ، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره ، فانظروا لأنفسكم.
__________________
(١) أ ، ج : «ما نكون».
(٢) سورة البقرة ٢٤٩.
(٣) ك : «عهد الله علينا».