فقال عمرو : دونك ، فربّما فرجها الله بك ، فبرز مسلمة والرومىّ ، فتجاولا ساعة ، ثم أعانه الله عليه فقتله ، فكبّر مسلمة وأصحابه ، ووفى لهم الروم بما عاهدوهم عليه ، ففتحوا لهم باب الحصن ، فخرجوا ، ولا تدرى الروم أن أمير القوم فيهم ، حتى بلغهم بعد ذلك ، فأسفوا على ذلك ، وأكلوا أيديهم تغيّظا على ما فاتهم.
فلما خرجوا استحيا عمرو مما كان قال لمسلمة حين غضب ، فقال عمرو عند ذلك : استغفر لى ما كنت قلت لك ، فاستغفر له. وقال عمرو : ما أفحشت قطّ إلّا ثلاث مرار (١) ، مرّتين فى الجاهليّة ، وهذه الثالثة ، وما منهنّ مرّة إلا وقد ندمت واستحييت ، وما استحييت من واحدة منهنّ أشدّ مما استحييت مما قلت لك ، وو الله إنى لأرجو ألا أعود إلى الرابعة ما بقيت.
قال : ثم رجع إلى حديث عثمان ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبى حبيب ، قال : أقام عمرو بن العاص محاصرا الإسكندرية أشهرا ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب قال : ما أبطأوا (٢) بفتحها إلا لما أحدثوا.
حدثنا يحيى بن خالد ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : لما أبطأ على عمر بن الخطّاب فتح مصر ، كتب إلى عمرو بن العاص : أمّا بعد ، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر ؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين ؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحبّ عدوّكم ، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوما إلا بصدق (٣) نيّاتهم ، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف ، إلا أن يكونوا غيّرهم ما غيّر غيرهم ؛ فإذا أتاك كتابى هذا ، فاخطب الناس ، وحضّهم على قتال عدوّهم ، ورغبهم فى الصبر والنيّة ، وقدّم أولئك الأربعة فى صدور الناس ، ومر الناس جميعا أن يكون (٤) لهم صدمة كصدمة رجل واحد ، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة ، فإنها ساعة تنزّل الرحمة ووقت الإجابة ، وليعجّ الناس إلى الله ، ويسألوه النصر على عّدوهم.
__________________
(١) ب ، د : «مرات».
(٢) فى السيوطى وهو ينقل عن ابن عبد الحكم «ما أبطأ».
(٣) إلا بصدق : ج «لا تصدق».
(٤) د : «يكونوا».