ولكنها مقادير ، ففرحت (١) بذلك الروم ، وشقّ ذلك على المسلمين ، وغضب عمرو بن العاص لذلك ، وكان مسلمة كثير اللحم ، ثقيل البدن. فقال عمرو بن العاص عند ذلك : ما بال الرجل المسّته الذي يشبه النساء يتعرّض مداخل الرجال ويتشبّه بهم؟ فغضب من ذلك مسلمة ، ولم يراجعه.
ثم اشتدّ القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية ، فقاتلتهم (٢) العرب فى الحصن ، ثم جاشت عليهم الروم حتى أخرجوهم جميعا من الحصن إلّا أربعة نفر ، بقوا فى الحصن ، وأغلقوا عليهم باب الحصن ، أحدهم عمرو بن العاص ، والآخر مسلمة بن مخلّد ، ولم نحفظ (٣) الآخرين وحالوا بينهم وبين أصحابهم ولا تدرى الروم من هم ، فلما رأي ذلك عمرو بن العاص وأصحابه التجأوا إلى ديماس من حمّاماتهم ، فدخلوا فيه فاحترزوا به ، فأمروا روميّا أن يكلّمهم بالعربيّة ، فقال لهم : إنكم قد صرتم بأيدينا أسارى ، فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم ، فامتنعوا عليهم ؛ ثم قال لهم : إن فى أيدى أصحابكم منّا رجالا أسروهم ونحن نعطيكم العهود ، نفادى بكم أصحابنا ، ولا نقتلكم ، فأبوا عليهم.
فلما رأى ذلك الرومىّ منهم قال لهم : هل لكم الى خصلة وهى نصف (٤) فيما بيننا وبينكم ، أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله على أن يبرز منكم رجل ، ومنّا رجل ، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا ، وأمكنتمونا من أنفسكم ، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلّينا سبيلكم إلى أصحابكم ، فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه ، وعمرو ومسلمة وصاحباهما فى الحصن فى الديماس ، فتداعوا إلى البراز ، فبرز رجل من الروم قد وثقت الروم بنجدته وشدّته ، وقالوا : يبرز رجل منكم لصاحبنا. فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة ، وقال : ما هذا؟ تخطئ مرّتين ، تشذّ عن (٥) أصحابك وأنت أمير ، وإنما قوامهم بك وقلوبهم معلّقة نحوك ، لا يدرون ما أمرك ، ثم لا ترضى حتى تبارز وتتعرض للقتل ، فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك. مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله.
__________________
(١) تصحفت فى طبعة عامر إلى «ففرجت».
(٢) ب ، ج ، د ، ك : «فقاتلهم».
(٣) ك : «ولم يحفظ».
(٤) تصحفت فى طبعة عامر إلى «نضف».
(٥) فى سائر الأصول الخطية : «من» وكذا طبعة عامر.