قال : فأتيته ، فإذا هو جالس في المسجد ، وإذا حوله قوم يقرءون القرآن ، قال : فجلست في ناحية حتى تفرقوا ، وجاء آخرون فسمعوا الحديث ، فلمّا تفرقوا قام فصلّى ركعتين أو أربعا ، ثم خرج ، وتبعته ، فقال لي : ألك حاجة؟ قلت : نعم ، أريد أن أجيء معك إلى بيتك ، قال : مرّ ، فذهب بي إلى حجرة مكنوسة ، نظيفة ، وظل بارد طيب ، وبيت مكنوس ، وفيه بواري ودورق ومطهرة ، وحلة فيها كسر ، قلت : يا مالك ، ألك امرأة؟ قال : أعوذ بالله ، قلت : ألك ولد؟ قال : أعوذ بالله ، قلت : ألك تجارة؟ قال : أعوذ بالله ، قلت : ألك دين؟ قال : أعوذ بالله ، قلت : يا مالك ، يزعم الناس أنك أزهد الناس ، وأنت خريم الناعم (١).
ـ زاد غيره : قال : فشهق شهقة ـ.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم ، أنا أبو القاسم السلمي ، أنا أبو محمّد العدل ، أنا خيثمة بن سليمان ، نا عبد العزيز بن محمّد أبو خالد القرشي بغدادي ، نا قيس بن حفص ، نا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال :
ما رأيت أحدا قط أعبد من الحسن ، ولا رأيت أحدا قط أورع من محمّد بن سيرين ، ولا رأيت أحدا قط أزهد من مالك بن دينار ، ولا رأيت أحدا قط أخشع من محمّد بن واسع ، ولا رأيت أحدا قط أصدق يقينا من حبيب أبي محمّد.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا ابن الفضل ، أنا عبد الله ، نا يعقوب ، نا فهد بن حيان ، نا محمّد بن يزيد قال : سمعت التيمي يقول : ما أدركت أحدا كان أزهد في الدنيا من مالك بن دينار (٢).
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، وأبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصّمد بن علي ، قالا : أنا أبو محمّد الصريفيني ، أنا أبو القاسم بن حبابة ، نا أبو القاسم البغوي ، نا محمّد بن هارون الحربي ، نا يعقوب بن كعب الحلبي ، نا ضمرة ، عن ابن شوذب قال :
قال رجل من أهل البصرة : إن لم تجد إلّا مثل عبادة ثابت ، وحفظ قتادة ، وورع ابن سيرين ، وعلم الحسن ، وزهد مالك ، لا تطلب العلم.
__________________
(١) هو خريم بن عمرو بن الحارث المري ، المعروف بخريم الناعم. تقدمت ترجمته في كتابنا تاريخ مدينة دمشق ـ بتحقيقنا ١٦ / ٣٣٨ برقم ١٩٥٥.
(٢) سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٦٤.