فلا بأس أن يضارّها ويشق عليها حتى تفتدي منه. وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن. وقال عطاء : كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود. وقال ابن سيرين وأبو قلابة : لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها. وقال قتادة : لا يحل له أن يحبسها ضرارا حتى تفتدي منه ، يعني : وإن زنت. وقال ابن عباس وعائشة والضحاك وغيرهم : الفاحشة هنا النشوز ، فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها ، وهذا مذهب مالك. وقال قوم : الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وهذا في معنى النشوز. والمعنى : إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن ، فيجوز أخذ مالهن على سبيل الخلع. ويدل على هذا المعنى قراءة أبي : إلا أن يفحشن عليكم ، وقراءة ابن مسعود : إلا أن يفحشن وعاشروهن ، وهما قراءتان مخالفتان لمصحف الإمام ، وكذا ذكر الداني عن ابن عباس وعكرمة. والذي ينبغي أن يحمل عليه أن ذلك على سبيل التفسير والإيضاح ، لا على أن ذلك قرآن. ورأى بعضهم أن لا يتجاوز ما أعطاها ركونا لقوله : (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) (١) وقال مالك : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملكه. وظاهر الاستثناء يقتضي إباحة العضل له ليذهب ببعض ما أعطاها لأكله ، ولا ما لم يعطها من ماله إذا أتت بالفاحشة المبينة. وقرأ ابن كثير وأبو بكر : مبينة هنا ، وفي الأحزاب ، والطلاق بفتح الياء ، أي أي يبينها من يدعيها ويوضحها. وقرأ الباقون : بالكسر أي : بينة في نفسها ظاهرة. وهي اسم فاعل من بين ، وهو فعل لازم بمعنى بان أي ظهر ، وظاهر قوله : ولا تعضلوهن ، أن لا نهي ، فالفعل مجزوم بها ، والواو عاطفة جملة طلبية على جملة خبرية. فإن قلنا : شرط عطف الجمل المناسبة ، فالمناسبة أن تلك الخبرية تضمنت معنى النهي كأنه قال : لا ترثوا النساء كرها فإنه غير حلال لكم ولا تعضلوهن. وإن قلنا : لا يشترط في العطف المناسبة وهو مذهب سيبويه ، فظاهر. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون تعضلوهن نصبا عطفا على ترثوا ، فتكون الواو مشركة عاطفة فعلا على فعل. وقرأ ابن مسعود : ولا أن تعضلوهن ، فهذه القراءة تقوي احتمال النصب ، وأن العضل مما لا يحلّ بالنصّ. وعلى تأويل الجزم هي نهي معوض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهة ، واحتمال النصب أقوى انتهى ما ذكره من تجويز هذا الوجه ، وهو لا يجوز. وذلك أنك إذا عطفت فعلا منفيا بلا على مثبت وكانا منصوبين ، فإنّ الناصب لا يقدر إلا بعد حرف العطف ، لا بعد لا. فإذا قلت : أريد أن أتوب ولا أدخل النار ، فالتقدير : أريد أن أتوب وأن لا أدخل النار ، لأن الفعل يطلب الأول على سبيل الثبوت ، والثاني على سبيل
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٩.