(أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي ثواب إيمانهم ، وهذا الأجر مضاعف مرتين بنص الحديث الصحيح : / وأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين يضاعف لهم الثواب بما تضاعف منهم من الأسباب. وعند ظرف في موضع الحال ، والعامل فيه العامل في لهم ، ومعنى عند ربهم : أي في الجنة.
(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي سريع الإتيان بيوم القيامة وهو يوم الحساب. والمعنى : أنّ أجرهم قريب إتيانه أو سريع حسابه لنفوذ علمه ، فهو عالم بما لكل عامل من الأجر. وتقدم تفسير هذه الجملة مستوفى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ختم الله تعالى هذه السورة بهذه الوصاية التي جمعت الظهور في الدنيا على العدو ، والفوز بنعيم الآخرة ، فأمره تعالى بالصبر والمصابرة والرباط. فقيل : اصبروا وصابروا بمعنى واحد للتأكيد. وقال الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن جريج : اصبروا على طاعة الله في تكاليفه ، وصابروا أعداء الله في الجهاد ، ورابطوا في الثغور في سبيل الله. أي : ارتبطوا الخيل كما يرتبطها أعداؤكم. وقال أبي ومحمد بن كعب القرظي : هي مصابرة وعد الله بالنصر ، أي : لا تسأموا وانتظروا الفرج. وقيل : رابطوا ، استعدوا للجهاد كما قال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (١). وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : الرباط انتظارا الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم غزو مرابط فيه. واحتج بقوله عليهالسلام : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاثا فعلى هذا لا يكون رابطوا من باب المفاعلة. قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله ، أصلها من ربط الخيل ، ثم سمى كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا ، فارسا كان أو راجلا ، واللقطة مأخوذة من الربط. وقول النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فذلكم الرباط إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله ، إذ انتظار الصلاة إنما هو سبيل من السبل المنجية ، والرباط اللغوي هو الأول. والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما قاله : ابن المواز ، ورواه. فأما سكان الثغور دائما بأهليهم الذين يعتمرون ويكتسبون هناك فهم وإن
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٠.