(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الجمهور على أن ابيضاض الوجوه واسودادها على حقيقة اللون. والبياض من النور ، والسواد من الظلمة. قال الزمخشري : فمن كان من أهل نور الدين وسم ببياض اللون وإسفاره وإشراقه ، وابيضت صحيفته وأشرقت ، وسعى النور بين يديه وبيمينه. ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه وكمده ، واسودت صحيفته وأظلمت ، وأحاطت به الظلمة من كل جانب. انتهى كلامه. وقال ابن عطية : وبياض الوجوه عبارة عن إشراقها واستنارتها وبشرها برحمة الله قاله الزجاج وغيره. ويحتمل عندي أن تكون من آثار الوضوء كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أأنتم الغر المحجلون» من آثار الوضوء. وأما سواد الوجوه فقال المفسرون : هو عبارة عن ارتدادها وإظلامها بغمم العذاب. ويحتمل أن يكون ذلك تسويدا ينزله الله بهم على جهة التشويه والتمثيل بهم ، على نحو : حشرهم زرقا ، وهذه أقبح طلعة. ومن ذلك قول بشار :
وللبخيل على أمواله علل |
|
زرق العيون عليها أوجه سود |
انتهى كلامه. وقال قوم : البياض والسواد مثلان عبر بهما عن السرور والحزن لقوله تعالى : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) (١) وكقول العرب لمن نال أمنيته : ابيض وجهه. ولمن جاء خائبا : جاء مسودّ الوجه. وقال أبو طالب :
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
وقال امرؤ القيس :
وأوجههم عند المشاهد غران
وقال زهير :
وأبيض فياض يداه غمامة
وبدأ بالبياض لشرفه ، وأنه الحالة المثلى. وأسند الابيضاض والاسوداد إلى الوجوه وإن كان جميع الجسد أبيض أو أسود ، لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه ، وهو أشرف أعضائه. والمراد : وجوه المؤمنين ووجوه الكافرين قاله أبيّ بن كعب. وقيل : وجوه المهاجرين والأنصار ، ووجوه بني قريظة والنضير. وقيل : وجوه السنة ، ووجوه أهل البدعة.
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٧.