النفي. فالمعنى : أريد التوبة وانتفاء دخولي النار. فلو كان الفعل المتسلط على المتعاطفين منفيا ، فكذلك ولو قدّرت هذا التقدير في الآية لم يصح لو قلت : لا يحل لكم أن لا تعضلوهن لم يصح ، إلا أن تجعل لا زائدة لا نافية ، وهو خلاف الظاهر. وأما أن تقدر أن بعد لا النافية فلا يصح. وإذا قدرت أنّ بعد لا كان من باب عطف المصدر المقدر على المصدر المقدر ، لا من باب عطف الفعل على الفعل ، فالتبس على ابن عطية العطفان ، وظن أنه بصلاحية تقدير أن بعد لا يكون من عطف الفعل على الفعل ، وفرق بين قولك : لا أريد أن يقوم وأن لا يخرج ، وقولك : لا أريد أن يقوم ولا أن يخرج ، ففي الأول : نفي إرادة وجود قيامه وإرادة انتفاء خروجه ، فقد أراد خروجه. وفي الثانية نفي إرادة وجود قيامه ، ووجود خروجه ، فلا يريد لا القيام ولا الخروج. وهذا في فهمه بعض غموض على من لم يتمرن في علم العربية ..
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) هذا أمر بحسن المعاشرة ، والظاهر أنه أمر للأزواج ، لأن التلبس بالمعاشرة غالبا إنما هو للأزواج ، وكانوا يسيئون معاشرة النساء ، وبالمعروف هو النصفة في المبيت والنفقة ، والإجمال في القول. ويقال : المرأة تسمن من أذنها.
(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) أدب تعالى عباده بهذا. والمعنى : أنه لا تحملكم الكراهة على سوء المعاشرة ، فإن كراهة الأنفس للشيء لا تدل على انتفاء الخير منه ، كما قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (١) ولعل ما كرهت النفس يكون أصلح في الدين وأحمد في العاقبة ، وما أحبته يكون بضد ذلك. ولما كانت عسى فعلا جامدا دخلت عليه فاء الجواب ، وعسى هنا تامّة ، فلا تحتاج إلى اسم وخبر. والضمير في فيه عائد على شيء أي : ويجعل الله في ذلك الشيء المكروه. (وقيل) : عائد على الكره وهو المصدر المفهوم من الفعل. (وقيل) : عائد على الصبر. وفسر ابن عباس والسدي : الخير بالولد الصالح ، وهو على سبيل التمثيل لا الحصر. وانظر إلى فصاحة فعسى أن تكرهوا شيئا ، حيث علّق الكراهة بلفظ شيء الشامل شمول البدل ، ولم يعلق الكراهة بضميرهن ، فكان يكون فعسى أن تكرهوهن. وسياق الآية يدل على أن المعنى الحث على إمساكهن وعلى صحبتهن ، وإن كره الإنسان منهن شيئا من أخلاقهن. ولذلك جاء بعده : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج. (وقيل) : معنى الآية :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٦.