العلاء وابن قتيبة أيضا. وتقدّم الكلام عليه في قوله : (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (١) في البقرة. وقرىء : لا تحل لكم بالتاء على تقدير لا تحل لكم الوراثة ، كقراءة من قرأ : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢) أي إلا مقالتهم ، وانتصاب النساء على أنه مفعول به إمّا لكونهن هن أنفسهن الموروثات ، وإما على حذف مضاف أي : أموال النساء.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) أي لا تحبسوهن ولا تضيقوا عليهن. وظاهر هذا الخطاب أنه للأزواج لقوله : ببعض ما آتيتموهن ، لأن الزوج هو الذي أعطاها الصداق. وكان يكره صحبة زوجته ولها عليه مهر ، فيحبسها ويضربها حتى تفتدي منه قاله : ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. أو ينكح الشريفة فلا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد على ذلك ، فإذا خطبت وأرضته أذن لها ، وإلا عضلها قاله : ابن زيد. أو كانت عادتهم منع المطلقة من الزوج ثلاثا فنهوا عن ذلك. وقيل : هو خطاب للأولياء كما بين في قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (٣) ويحتمل أن يكون الخطاب للأولياء والأزواج في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (٤) فلقوا في هذا الخطاب ، ثم أفرد كل في النهي بما يناسبه ، فخوطب الأولياء بقوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، وخوطب الأزواج بقوله : ولا تعضلوهن ، فعاد كل خطاب إلى من يناسبه. وتقدّم تفسير العضل في البقرة في قوله : (فَلا تَعْضُلُوهُنَ) (٥) والباء في ببعض ما آتيتموهن للتعدية ، أي : لتذهبوا بعض ما آتيتموهن. ويحتمل أن تكون الباء للمصاحبة أي : لتذهبوا مصحوبين ببعض ما آتيتموهن.
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) هذا استثناء متصل ، ولا حاجة إلى دعوى الانقطاع فيه كما ذهب إليه بعضهم. وهو استثناء من ظرف زمان عام ، أو من علة. كأنه قيل : ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلا وقت أن يأتين. أو لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين. والظاهر أن الخطاب بقوله : ولا تعضلوهن للأزواج إذ ليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة ، وإنما ذلك للزوج على ما تبين.
والفاحشة هنا الزنا قاله : أبو قلابة والحسن. قال الحسن : إذا زنت البكر جلدت مائة ونفيت سنة ، وردت إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١٦.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٢٣.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١٩.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٩.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٢.