المراد بالأول المنافقون. كما فرق بينهم في قوله : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١) لأن المنافق كان مخالفا للكافر بظاهره في الدنيا. والذي يظهر أنها في عصاة المؤمنين الذين يتوبون حال اليأس من الحياة ، لأن المنافقين مندرجون في قوله : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) (٢) فهم قسم من الكفار لا قسيم لهم. وقيل : إنما التوبة على الله في الصغائر ، وليست التوبة للذين يعملون السيئات في الكبائر ، ولا الذين يموتون وهم كفار في الكفر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) قال ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، وأبو مجلز : كان أولياء الميت أحق بامرأته من أهلها ، إن شاؤوا تزوجها أحدهم ، أو زوجوها غيرهم ، أو منعوها. وكان ابنه من غيرها يتزوجها ، وكان ذلك في الأنصار لازما ، وفي قريش مباحا. وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه ، إذا لم يكن ولدها. وقال السدي : إن سبق الولي فوضع ثوبه عليها كان أحق بها ، أو سبقته إلى أهلها كانت أحق بنفسها ، فأذهب الله ذلك بهذه الآية.
والخطاب على هذا للأولياء نهوا أن يرثوا النساء المخلفات عن الموتى كما يورث المال. والمراد نفي الوراثة في حال الطوع والكراهة ، لا جوازها في حال الطوع استدلالا بالآية ، فخرج هذا الكره مخرج الغالب ، لأن غالب أحوالهن أن يكنّ مجبورات على ذلك إذ كان أولياؤه أحق بها من أولياء نفسها. وقيل : هو إمساكهن دون تزويج حتى يمتن فيرثون أموالهن ، أو في حجره يتيمة لها مال فيكره أن يزوجها غيره محافظة على مالها ، فيتزوجها كرها لأجله. أو تحته عجوز ذات مال ، ويتوق إلى شابة فيمسك العجوز لمالها ، ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها ، أو تموت فيرث مالها. والخطاب للأزواج ، وعلى هذا القول وما قبله يكون الموروث مالهن ، لا هن. وانتصب كرها على أنه مصدر في موضع الحال من النساء ، فيقدر باسم فاعل أي : كارهات ، أو باسم مفعول أي : مكرهات. وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بفتح الكاف ، حيث وقع وحمزة والكسائي بضمها ، وعاصم وابن عامر بفتحها في هذه السورة وفي التوبة ، وبضمها في الأحقاف وفي المؤمنين ، وهما لغتان : كالصمت والصمت قاله : الكسائي والأخفش وأبو علي. وقال الفراء : الفتح بمعنى الإكراه ، والضم من فعلك تفعله كارها له من غير مكره كالأشياء التي فيها مشقة وتعب ، وقاله : أبو عمرو بن
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ١٥.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٨.