أبي عبيد وأجود ، ومنها كتابه الأمثال (١) ، وقد سبقه إلى ذلك جميع البصريين والكوفيين : الأصمعي ، وأبو زيد ، وأبو عبيدة ، والنّضر بن شميل ، والمفضّل الضّبيّ ، وابن الأعرابي ، إلّا أنه جمع روايتهم (٢) في كتابه فبوّبه أبوابا وأحسن تأليفه ، وكتاب غريب الحديث أوّل من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنّى وقطرب ، والأخفش ، والنّضر بن شميل ، ولم يأتوا بالأسانيد ، وعمل أبو عدنان النحوي البصري كتابا في غريب الحديث ، وذكر فيه الأسانيد ، وصنّفه على أبواب السنن والفقه ، إلّا أنه ليس بالكثير ، فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم وفسّره وذكر الأسانيد وصنّف المسند على حدته ، وأحاديث كلّ رجل من الصحابة والتابعين على حدته ، وأجاد تصنيفه ، فرغب فيه أهل الحديث ، والفقه ، واللغة لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه ، وكذلك كتابه في معاني القرآن ، وذلك أنّ أول من صنّف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، ثم قطرب بن المستنير ، ثم الأخفش ، وصنّف من الكوفيين الكسائي ، ثم الفرّاء ، فجمع أبو عبيد من كتبهم ، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها ، وتفاسير الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ، وروى النصف عنه ، ومات قبل أن يسمع منه باقيه وأكثره غير مروي عنه.
وأما كتبه في الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي ، فتقلد أكثر ذلك ، وأتى بشواهده وجمعه من حديثه ورواياته ، واحتج فيها باللغة والنحو ، فحسنها بذلك ، وله في القراءات كتاب جيد ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله ، وكتاب في الأموال من أحسن ما صنّف في الفقه وأجوده.
قال (٣) : وأنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي (٤) قال : قال أبو الحسن محمّد بن جعفر بن هارون التميمي النحوي : كان طاهر بن الحسين ـ حين مضى إلى خراسان ـ نزل بمرو وطلب رجلا يحدثه ليلة ، فقيل : ما هاهنا إلّا رجل مؤدب ، فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلّام فوجده أعلم الناس بأيام الناس ، والنحو ، واللغة ، والفقه ، فقال له : من المظالم تركك أنت بهذا البلد ، فدفع إليه ألف دينار ، وقال له : أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب ، وليس أحب استصحابك شفقا عليك ، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك ، فألف أبو عبيد غريب المصنف إلى
__________________
(١) في تاريخ بغداد : في الأمثال.
(٢) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي تاريخ بغداد : رواياتهم.
(٣) القائل : أبو بكر الخطيب ، راجع تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٥.
(٤) في تاريخ بغداد : القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي.