النحوي ، نا حبيب بن نصر بن زياد ، نا علي بن عمرو الأنصاري عن الأصمعي قال :
كان عون بن عبد الله بن عتبة يقول : إيّاك ومجالسة عدوك ما وجدت من ذلك بدا ، فإنه يتحفظ عليك غيرتك وتماريك في صوابك.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، نا حجّاج بن محمّد ، نا المسعودي ، عن عون بن عبد الله أنه كان يقول (١) :
يا بنيّ كن ممن نأيه عمن نأى عنه يقين ونزاهة ، ودنوه مما دنا منه لين ورحمة ، ليس نأيه بكبر ولا عظمة ، ولا دنوه بخدع (٢) ولا خلابة ، يقتدي بمن قبله ، وهو إمام لمن بعده ، ولا يعجل فيما رابه ، ويعفو إذا تبين له ، يغمض في الذي له ، ويزيد في الحق الذي عليه ، لا يقرب (٣) حمله ولا يحضر جهله ، الخير منه مأمول والشر منه مأمون (٤) ، إن زكى خاف (٥) ما يقولون ، واستغفر لما لا يعلمون ، لا يغره ثناء من جهله ، ولا ينسى إحصاء ما قد علمه (٦) ، يقول : ربي أعلم [بي](٧) من نفسي وأنا أعلم بي من غيري ، فهو يستبطئ نفسه في العمل ، ويأتي ما أتى من الأعمال الصالحة على وجل ، إن عصته نفسه فيما كرهت لم يطعها فيما أحبت ، يبيت وهو يذكر ويصبح وهمّته أن يشكر ، يبيت حذرا ويصبح فرحا ، حذر الماء حذر من الغفلة ، وفرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ، لا يحدث أمانته إلّا صدقا ولا تكتم شهادته إلّا عدا ولا يعمل شيئا من الخير رياء ، ولا يدع شيئا من حياء ، إن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، وإن كان في الغافلين كتب من الذاكرين ، لأنه يذكر حين لا يذكرون ولا يغفل حين يذكرون ، زهادته فيما ينفد ، ورغبته فيما يخلد ، ويصمت ليسلم ، ويخلو ليغنم ، وينطق ليفهم ، ويخالط ليسلم ، لا ينصت للخير [حين ينصت](٨) وهو يسهو ، ولا يستمع له وهو يلغو ، مجالس الذكر مع الفقر أحب إليه من مجالس اللغو (٩) مع الأغنياء.
__________________
(١) الخبر ورد مطولا في حلية الأولياء ٤ / ٢٦٠ وما بعدها.
(٢) الأصل وم : «يخدع» والمثبت عن الحلية.
(٣) كذا بالأصل وم : وفي الحلية : ولا يعزب علمه.
(٤) الأصل وم : مأمول ، والمثبت عن الحلية.
(٥) الأصل وم : خاب ، والمثبت عن الحلية.
(٦) الأصل وم : «من عمله» والمثبت : «ما قد علمه» عن الحلية.
(٧) الزيادة عن م والحلية.
(٨) الزيادة عن الحلية.
(٩) كذا بالأصل وم ، وفي الحلية : اللهو.