غفار (١) ، فمن أصبح منكم لم يأتها ، فقد حبس ، فليمض صاحباه ، فأصبحت عندها أنا وعيّاش بن أبي ربيعة ، وحبس عنا هشام وعندنا وفتن (٢) فافتتن (٣) وقدمنا المدينة فكنا نقول : ما الله بقابل من هؤلاء توبة ، قوم عرفوا الله وآمنوا به ، وصدقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم رجعوا عن الإسلام لبلاء أصابهم من الدنيا ، وكانوا يقولونه لأنفسهم ، فأنزل الله تعالى فيهم : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ، لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) إلى قوله : (مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ)(٤) قال عمر : فكتبتها بيدي كتابا ، ثم بعثت بها إلى هشام ، فقال هشام بن العاص : فلما قدمت عليّ خرجت بها إلى ذي طوى ، فجعلت أصعّد بها وأصوّب (٥) لأفهمها ، فقلت : اللهم فهّمنيها ، فعرفت إنّما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا ، فرجعت فجلست على بعيري ، فلحقت برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقتل هشام شهيدا بأجنادين في ولاية أبي بكر.
قال : ونا يونس ، عن ابن إسحاق قال :
وقدم على عيّاش بن أبي ربيعة المدينة أخوه لأمه أبو جهل بن هشام ، وأمّهم أسماء بنت مخرمة فقالا له : إنّ أمك قد نذرت أن لا يظلها ظل ، ولا يمسّ رأسها دهن حتى تراك ، فقال عمر بن الخطّاب : والله إن يريدانك إلّا عن دينك ، ولو قد وجدت أمك حرّ مكة لقد استظلت ، ولو قد أذاها القمل ، لقد امتشطت فقال : إنّ لي بمكة ما لا لعلّي أجده ، فقلت له : لك نصف مالي ، ولا ترجع إلى القوم ، فأبى إلّا الرجوع ، فقلت له : خذ هذه الناقة فإنّها ناقة ذلول ناحية فالزم ظهرها ، فإن رابك القوم بشيء فانجه. فخرجوا حتى إذا أتوا قريبا من مكة قال له أبو جهل : يا أخي لقد شقّ عليّ بعيري ، فأعقبني على ناقتك ، فإنّها أوطأ من بعيري ، فنزل ؛ فلمّا وقعا إلى الأرض أوثقاه وربطاه ودخلا به مكة ، فقالوا : هكذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم ، ثم فتن فافتتن.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، وأبو الحسين بن الفرّاء ، قالا : أنا أبو يعلى بن الفرّاء ، أنا علي بن عمر بن محمّد بن الحسن بن شاذان الحربي (٦) ، نا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، نا أبو بكر بن أبي شيبة.
__________________
(١) أضاة بني غفار : على عشرة أميال من مكة.
(٢) إعجامها مضطرب بالأصل وفوقها ضبة ، وبدون إعجام في م ، والتصويب عن «ز».
(٣) اللفظتان : «وفتن فافتتن» سقطتا من «ز».
(٤) سورة الزمر ، الآيات ٥٣ إلى ٦٠.
(٥) الأصل وم : وأصوت ، والمثبت عن م وسيرة ابن هشام.
(٦) في «ز» : الحارثي.