عليه ، تبقى التوراة على العموم المصدر الوحيد تقريبا عن هذه الجماعة. والجهد الضخم الذي بذله هؤلاء الكتبة في تصنيف وتحرير الروايات المتناقلة داخل الجماعة ، وفي صوغها المتأخر على صورة تاريخ الأمة اليهودية ، لا يجد ما يدعمه ، لا في المصادر التاريخية الأخرى المعروفة ، ولا في علم الآثار الذي حقق إنجازات مهمة على صعيد المنطقة.
وما اصطلح على تسميته علم التاريخ التوراتي ، انطلق من عدد من المسلمات والمفاهيم الطوباوية ، التي لا تصمد أمام النقد العلمي. وبالتأكيد ، فإن المعتقدات الدينية ، وهي فعل إيمان ، قد أدّت دورا رئيسيا في صوغ الفلسفة التي يستند إليها هذا العلم. وبناء عليه ، فالروايات التي يوردها الكتاب المقدس ، جرى اعتمادها على أساس أنها كتابات تاريخية حقيقية ، على الباحثين وزر الكشف عن التعبيرات المادية لها في الواقع. ومن هنا ، نشأ علم الآثار التوراتي ، الذي جاء ليقيم الدليل المادي على صحة تلك الروايات ، بينما هو يستند إليها أصلا في تحديد الأحداث والمواقع ، الأمر الذي أدخل هذه الدراسات في حلقة مفرغة ، (دور) كان نتاجها «تاريخ» يقوم على التفكير الدوري.
والباحثون الموضوعيون اليوم ، في وضع أفضل لإخضاع هذه الروايات التوراتية للتمحيص والتقويم ، بالاستناد إلى المصادر الأخرى المتوفرة. ومع ذلك ، فهناك وجهات نظر متباينة بينهم. فمنهم من ينفي تأريخية الروايات عن عصر الآباء ، جملة وتفصيلا ، ويعتبرها أساطير وملاحم أدبية ، كتبت في عصور متأخرة ، ومن منظور يعالج الماضي بإسقاطات الحاضر ، أو العكس. ومنهم من يرى فيها نوى حقائق تاريخية ، جرى تضخيمها بالمراجعات وأعمال التحرير والتصنيف اللاحقة. ومع ذلك يبقى النهج التقليدي ، المتأثر بالانحياز الديني ، أو السياسي ، شائعا اليوم. وهذا النهج لا يدحضه نهج مقابل ، يعتمد الأساليب نفسها في البحث عن الحقيقة التاريخية ، ويستند إلى روايات تحمل الطابع الأسطوري نفسه.
وأغلبية المؤرخين غير التوراتيين ترى اليوم أن العبرانيين هم العابيرو ، أو الحابيرو ، الذين يرد ذكرهم في وثائق ماري ونوزي ، منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد. ويرد المصطلح في كتب «اللعنات المصرية» من تلك الفترة أيضا. ويفسره البعض أنه يعني «الرحل» ، من الجذر السامي «عبر». بينما يعتبره آخرون مصريا ، ويفسرونه بمعنى «الرعاة المتنقلين» ، أو «مثيري الغبار». وتطلق عليهم المصادر المصرية كنية أخرى ، هي «شوسي» أو «شاسو» ، التي تعني «الرحل» (قطاع الطرق). وبناء عليه ، فهم من القبائل والجماعات العمورية بصورة عامة ، لم تستقر