تتشاور الدول الخمس الكبرى في وسيلة لتنفيذ التقسيم من دون استعمال القوة. وفي ١٩ آذار / مارس ١٩٤٨ م ، سحبت الإدارة الأميركية تأييدها لمشروع التقسيم ، واقترحت على مجلس الأمن وضع فلسطين تحت الوصاية ، وإعادة القضية إلى هيئة الأمم للنظر فيها على هذا الأساس ، ودعوة العرب واليهود إلى عقد هدنة سياسية وعسكرية بانتظار النتيجة. ووافق مجلس الأمن على المشروع ، ورفضته جامعة الدول العربية والوكالة اليهودية ، كل لأسبابه الخاصة.
ولم تتحقق الهدنة ، بسبب استمرار القوات الصهيونية في تنفيذ الخطة د. واتخذت اللجنة السياسية للجامعة العربية (١٢ نيسان / أبريل ١٩٤٨ م) ، في اجتماعها بدمشق ، قرار «الزحف على فلسطين» في ١٥ أيار / مايو ١٩٤٨ م. واشتكت الوكالة اليهودية لمجلس الأمن ، فأصدر في ١٧ نيسان / أبريل ١٩٤٨ م قرارا دعا فيه جميع الأشخاص والمنظمات إلى وقف العمليات العسكرية والعنف. وأخيرا بادرت الجمعية العامة ، قبل انتهاء الانتداب بيوم واحد ، إلى قبول اقتراح الولايات المتحدة بتعيين وسيط دولي للعمل مع لجنة الهدنة (من قناصل أميركا وبلجيكا وفرنسا في القدس) ، وإيقاف لجنة التقسيم عن العمل. وفي ٢٠ أيار / مايو ١٩٤٨ م ، أي بعد الانسحاب البريطاني ، ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين ، تمّ تعيين الكونت فولك برنادوت من السويد ، وسيطا دوليا ، لكن ساحة الفعل كانت في موقع آخر ـ المعركة العسكرية.
ففي ١ نيسان / أبريل ١٩٤٨ م ، عقد في منزل بن ـ غوريون (تل أبيب) اجتماع ضم جميع قادة الهاغاناه لتدارس الوضع ، بعد اتضاح أن أسلوب مرافقة القوافل على الطرق الرئيسية لم يصمد في الاختبار العملي. وتقرر حشد ١٥٠٠ جندي لفتح الطريق إلى القدس. وكلف قائد لواء غفعاتي ، شمعون أفيدان بقيادة العملية ، التي أطلق عليها اسم نحشون. (١) وفي التمهيد لها ، جرت عمليتان خاطفتان ـ القسطل واللد. وفي القسطل ، التي كانت تحتلها قوات الجهاد المقدس ، وقعت معارك ضارية ، واحتلت الهاغاناه القرية ، ثم استعادتها القوات العربية ، واستشهد فيها عبد القادر الحسيني ، فاحتلتها الهاغاناه ثانية ، وفتح الطريق إلى القدس موقتا ، ثم قطع ثانية ، بعد دخول الجيش الأردني ، واستسلم الحي اليهودي في القدس القديمة ، كما جرى اجتياح غوش عتسيون ، وبقيت القدس محاصرة. وفي اللد ، نجحت مجموعة بالتسلل إلى مقر قيادة حسن سلامة ، ونسفته ، لكنه لم يكن في الموقع. وفي النتيجة ، يمكن اعتبار عملية نحشون فاشلة ، لأنها لم تحقق الهدف النهائي لها بفك الحصار عن
__________________
(٧٦) «حرب فلسطين ، ١٩٤٧ ـ ١٩٤٨» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٤٥٧.