فلسطين. (١)
وقد واكب الضغط الصهيوني على حكومة لندن ، عبر واشنطن ، نشاط إرهابي في فلسطين ، وامتد إلى القاهرة ، إذ اغتيل اللورد موين ، المندوب السامي هناك. وكان موين يرفض المطالب الصهيونية ، ويؤيد تشكيل الجامعة العربية ، وينفي حق اليهود التاريخي في فلسطين ، وبالتالي يعارض وعد بلفور ، والأهم ، أنه رفض التعاون مع أيخمان في مقايضة يهود أوروبا الوسطى بالبضائع المطلوبة لألمانيا في الغرب. وفي إثر اغتيال موين ، أصدر تشرشل تحذيرا حاد اللهجة للمنظمة الصهيونية ولقيادة الاستيطان في فلسطين ، أسفر عن تراجع بعض المنظمات الصهيونية عن نشاطها ضد سلطات الانتداب في فلسطين ، لكنه لم يثن الإرغون ، بقيادة إلياهو لانكين ومناحم بيغن ، عن الاستمرار في العمليات الإرهابية.
لكن روزفلت لم يعش ليستكمل خديعته ، فتركها لخلفه ترومان لإنجازها ، فقد توفي بعد أسبوع واحد من تأكيده عهده لابن سعود في رسالة تتعلق بمستقبل فلسطين ، جاء فيها : «يسعدني أن أجدّد لجلالتكم التطمينات التي أعطيت لكم حول موقف حكومتي ، وكذلك موقفي الخاص ، بصفتي الرئيس التنفيذي ، بشأن قضية فلسطين ، وأعلمكم أن سياسة حكومتي في هذا الصدد لم تتغير.» (٢) وفي الواقع ، فإن فترة رئاسة روزفلت الطويلة شهدت تصاعدا كبيرا للنشاط الصهيوني على الساحة الأميركية ، كتعبير واضح عن احتضان الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني ، جملة وتفصيلا ، وبروزها كالبلد الأم له ، في مرحلة دخولها القويّ إلى ساحة الشرق الأوسط ، واستعدادها لانتزاع الموقع الإمبريالي الأول فيها ، وبالتالي توجيه صوغ المشروع الصهيوني بما يخدم مصالحها في المنطقة. وإذ تضافرت للعمل الصهيوني على الساحة الأميركية عوامل متعددة للنجاح ، فإن العامل الأساسي لصوغ العلاقة بين المشروع الصهيوني والإمبريالية الأميركية ، يبقى استعداد الحركة الصهيونية العالمية ، وإثباتها ذلك عمليا ، لوضع مشروعها في خدمة المصالح الأميركية ، وجعله مركزا إقليميا مضادا لحركة التحرر العربية ، التي بطبيعة أهدافها ، والشعارات التي رفعتها ، تتناقض مع تلك المصالح ، كما عبرت عنها سياسة «الصفقة الجديدة» للرئيس روزفلت.
في مقابل النقلة النوعية للمشروع الصهيوني ، التي جرى التعبير عنها بربطه بعجلة القوة الصاعدة عالميا ، بما في ذلك بالشرق الأوسط ـ الولايات المتحدة ـ وما
__________________
(٥٥) Ibid.,pp.٨٥٣ ـ ٩٥٣.
(٥٦) Ibid.,p.٠٧٣.