وبعد مؤتمر بلودان ، نشطت لجان الدفاع عن فلسطين ـ في سورية برئاسة نبيه العظمة ، والعراق برئاسة سعيد ثابت ، ولبنان برئاسة رياض الصلح ، وغيرها ـ فتغيرت الأجواء في فلسطين ، وتصاعدت الدعوة إلى استئناف الثورة ، وتشكلت اللجان لجمع الأموال ولتهريب السلاح وتجنيد المتطوعين. وإذ تكثفت العمليات العسكرية ، شددت حكومة الانتداب إجراءاتها التعسفية والقمعية ، واستبدلت الجنرال ديل بآخر ، ويفل (١٢ أيلول / سبتمبر ١٩٣٧ م) ، وجمدت مشروع التقسيم ، وأعلنت إيفاد لجنة جديدة للنظر في تفصيلاته. وفي ٢٦ أيلول / سبتمبر ١٩٣٧ م) اغتيل حاكم لواء الشمال ، لويس أندروز في الناصرة ، على يد الثوار ، الذين اعتبروا تعيينه ، وبالتالي عمله ، تهيئة للتقسيم ، خصوصا لما عرف عنه من حماسة للمشروع الصهيوني.
وتذرعت السلطة بمقتل أندروز لضرب التنظيم السياسي للثورة ، فأصدرت أمرا بحل اللجان القومية (١ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٧ م) ، كما حلت المجلس الإسلامي الأعلى ، ووضعت يدها على الأوقاف التابعة له. وشددت الرقابة على الصحف ، وأخيرا اعتقلت المئات من نشطاء الحركة الوطنية ، ونفت بعض قادتها ـ أحمد حلمي عبد الباقي والدكتور حسين الخالدي وفؤاد سابا ويعقوب الغصين ورشيد الحاج إبراهيم ـ إلى جزر سيشل ، في المحيط الهندي. كما أصدر المندوب السامي ، مكمايكل ، أمرا بمنع عودة آخرين ـ عزة دروزة وعوني عبد الهادي وألفرد روك وعبد اللطيف صلاح. واستطاع جمال الحسيني الفرار إلى دمشق. واختبأ المفتي بجوار الحرم ، ثم تسلل في ١٤ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٧ إلى لبنان ، حيث منحته السلطات الفرنسية حق اللجوء السياسي ، ولكن من دون ممارسة نشاط عملي. وبذلك أصبحت أغلبية قيادة العمل الوطني الفلسطيني من الصف الأول خارج البلاد. ومع ذلك ، نشبت الثورة مجدّدا.
وفي ليلة ١٤ ـ ١٥ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٧ م ، ليلة مغادرة المفتي ، التي حددت ساعة الصفر للهجوم العام ، صدرت الإشارة إلى العصابات لاستئناف نشاطها بكل قوة ، وكان عملها منسقا وموجها. وتحركت مجموعات كثيرة مسلحة في جميع أنحاء فلسطين ، وقامت بهجمات على دوريات الشرطة والجيش ، في منطقة القدس والخليل ، وهوجم قطار ينقل قوات بريطانية جنوب غرب القدس. وأخرج أحد قطارات الركاب عن الخط ، ودمرت خطوط السكك الحديدية في عدة أماكن ، وخربت شبكات الهاتف على نطاق واسع ، ونسف خط أنابيب بترول العراق قرب نهر الأردن ، واشتعلت النار بالنفط المتدفق. وجرت في ضواحي القدس عدة هجمات على سيارات الركاب اليهودية ، وتعرضت مستعمرات كثيرة إلى إطلاق النار. وفي اليوم