الأخير في مقبرة «بلد الشيخ» ، في موكب مهيب وضخم ، حضره الكثيرون من زعماء البلاد وجماهير غفيرة. وبعد استشهاد القسام ، تولى خليل محمد عيسى قيادة الحركة ، وبعد فترة من إعادة التنظيم ، عاودت نشاطها في جبال شمال فلسطين ، وقامت بهجمات متعددة على المستعمرات اليهودية ومراكز الشرطة والجيش. وظل رجالها معتصمين في الجبال مدة ستة أشهر ، إلى أن نشبت «الثورة الكبرى» (أيار / مايو ١٩٣٦ م) ، فانضم القساميون إليها ، وأبلوا فيها بلاء حسنا. ومن أبرزهم : خليل محمد عيسى (أبو إبراهيم الكبير) ومحمد صالح الحمد والشيخ عطية أحمد عوض ويوسف سعيد أبو درّة والشيخ فرحان السعدي وتوفيق إبراهيم (أبو إبراهيم الصغير) وغيرهم.
وأهمية حركة القسام ليست في إنجازاتها المباشرة ، وإنما في دلالاتها وآثارها على مسار النضال الفلسطيني اللاحق. ففي عملية المواجهة الشاملة ، التي احتدم التناقض فيها ، بين المشروع الصهيوني ، المدعوم من حكومة الانتداب ، وبين الحركة الوطنية الفلسطينية ، كانت الأخيرة تفتقد إلى عنصر أساسي يمتلكه الأول ، وهو القوة العسكرية. ففضلا عن التشويه الفكري الذي نشره بشأن طبيعته والتزييف الإعلامي بشأن أهدافه والتطويع السياسي الذي مارسه لإخضاع الحركة الوطنية الفلسطينية لإملاءاته ، كان المشروع الصهيوني يستند إلى أداة عسكرية ، يهودية وبريطانية ، مهيّأة عند الحاجة لاستعمال القوة لسحق تلك الحركة. والأكيد أنه في الصراع التناحري ، عندما يعمد أحد الطرفين إلى استخدام القوة ، فإنه لا يترك مجالا للآخر غير اللجوء إليها أيضا ، وإلّا حسم الصراع لمصلحة من يمتلكها. ومن هنا أهمية حركة القسام في دلالتها ، مع أنها ، في الأوضاع الفلسطينية القائمة ، لم يأت نشاطها مكملا لعمل الحركة الوطنية بفصائلها الأخرى ، ولم يكن جزءا عضويا من العمل الوطني الفلسطيني العام ، بل لعل بعض أطرافه اعتبر حركة القسام بديلا منه. وفي هذا تكمن نقطة الضعف الرئيسية لحركة القسام ، التي لم تعمر طويلا. ومع صحة منطلقاتها النظرية ، إلّا إنه اعتورها الشرخ بين النظرية والتطبيق. فإدارة الكفاح المسلح على الساحة الفلسطينية آنذاك ، كانت تستلزم أكثر من النية الصادقة للشيخ عز الدين القسام وأعضاء حركته الثورية.
لكن دم الشهيد القسام ورفاقه لم يذهب هدرا ، إذ شكّل عمله ، بل موته ، عاملا إضافيا لتفجير الثورة الكبرى (١٥ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م). فالأسباب التي حفزت القسام على إعلان الكفاح المسلح لم تختف ، بل على العكس تفاقمت ، وزاد فيها استشهاد الشيخ ، وما حركه من مشاعر النقمة بين الجماهير. كما أن المجموعات التي نظمها استمرت في حرب العصابات على السلطة ، واستقطبت إليها مناضلين آخرين ،